في عالم يفيض بالكلمات والصخب، حيث تتسابق الأصوات للتعبير عن نفسها، يبرز الصمت كواحة من التأمل والعمق، يختبئ فيها جمال لا يراه سوى من يملك البصيرة لفهمه. الصمت ليس غيابًا للصوت فحسب، بل هو لغة قائمة بذاتها، مليئة بالحكايات التي لا تُقال، والمشاعر التي لا تُترجم.
الصمت في حياة البشر ليس مجرد فراغ؛ بل هو جسر يعبر بنا نحو العمق. حين نصمت، نتصل بذواتنا الحقيقية، نستمع إلى صوت أرواحنا، ونتأمل في معنى الأشياء من حولنا. إنه تلك اللحظة التي يروي فيها القلب قصته بصمت مطبق، لكن بصوت داخلي مدوٍّ لا يسمعه إلا صاحبه.
هناك أشخاص يجيدون التحدث بالصمت، فيكفي أن تنظر في أعينهم لتفهم كل ما يعجزون عن قوله. العينان في الصمت تصبحان مرآة للروح، تحملان الدموع، الحب، الخوف، وحتى الغضب، دون أن تنطق شفاههم بحرف.
حتى الطبيعة تتحدث بصمت. صوت الرياح بين الأشجار، هدوء البحار في الفجر، صمت الصحراء في الليل، كلها حكايات تُروى دون كلمات. إنها رسائل من الكون تدعونا إلى الاستماع، إلى التوقف للحظة عن ضجيج الحياة، والتواصل مع العالم من منظور مختلف.
الصمت أيضًا وسيلة للمقاومة والتعبير. حينما تختار الجماهير الصمت أمام الظلم، فإن صمتها يكون أقوى من أي هتاف. إنه إعلان صامت بأن الصبر قوة، وأن القوة أحيانًا تكمن في الكتمان والهدوء.
في النهاية، الصمت ليس مجرد غيابٍ للكلام، بل هو حضور مختلف، مليء بالعبر والدروس. إنه فنٌ منسي في عالم يعجّ بالضجيج، لكنه يُذكرنا بأن الحياة ليست فقط ما نقوله، بل ما نشعر به في أعمق أعماقنا. وحين نتعلم الإنصات لهذا الصمت، نكتشف القصص المخفية بين السطور، ونرى الجمال في أبسط التفاصيل.
الصمت ليس فراغًا، بل حياة أخرى تنتظر من يفهمها.
بقلم / احمد عزيز الدين احمد
كاتب وروائي وشاعر