حــيّ .. مــدد .. قصـة قصيـرة بقلم/ حمــدي الروبــي
إنَّ عينيه محدقتان في لا شيء ..
نظرته عميقة .. لم ينتبه لها رغم أنها تجلس بجواره ..
حاولت أن تكلمه .. ترددت ..
قررت أن تسأله :
- من أنتَ ؟
= أنا هو.
- ومن هو !!!
= هو أنا.
أيقنَتْ أنه مجنون ، أو مخبول ، أو ……..
توجَّه إليها بحدَّةٍ : ويحكِ .. إلى متى تطاردينني !
- أطاردكَ !! أنا لم أركَ قط من قبل !!
= كاذبةُ أنتِ .. تسبَّبتي في قتلي ثم ، تنكرينَ معرفتي !!!
وانحدرت دمعةٌ صفراءُ من عينهِ اليسرى ..
- تسببتُ في قتلكَ !! .. أنتَ لابدَّ .. قاطعها في همسٍ حزين :
= لكن لكِ العذر ، هذه طبيعتكِ منذ أن عرفتك .
صمتَ .. ألقى برأسهِ على حافة النافذة .. لا تزال القاطرة تلتهم الأرض بتوحش ..
عادتْ تسألهُ في تعجبٍ ساخر :
- ومتى عرفتني !؟!
نظر إليها في حسرةٍ .. طفت حدقتاه فوق دموعه :
= حتى هذه لا تذكرينها !! .. عرفتكِ قبل أن نكون.
- ماذا ! قبل أن … !!
= وما أن كنَّا حتى بديتِ على حقيقتكِ … آه … وكنتُ أراكِ ملاكاً قبل أن نكون .. قبل أن نكون ..
.. أغمض عينيه كأنه قد مات ..
- ماذا دهاكَ أيها المخبول ؟!
ردَّ في ذهولٍ باهتٍ :
= قولي ما تشائي .. إنني الآن ميتٌ .. ما أسعدني بالموت ..
- كيف تكونُ ميتاً وأنت تسمع ، وتتحرك ، ترى وتتكلم ؟!
… ثم … وثبَ عليها في جنون .. حاول خنقها بيديه القصيرتين جدا .
.
صرخَتْ … استغاثت .. اندفع إليها الركاب .. استخلصوها من بين يديهِ بصعوبة ..
خلُّوا بينهما .. اقتربتُ منها سائلاً : أتعرفينه ؟! قالت : نعم ، إنه أنا ..
ناديتهُ متسائلاً : أتعرفها ؟ّ! قال : نعم ، إنها أنا ..
رأيتُ ركاب القطار يلتفون حولي وهم يرددون : هذا هو المجنون !!
عدوتُ في خوفٍ نحو مقدمة القطار .. الرجل والمرأة يقودان القطار مبتسمين !!!
فجأة ..أفقتُ من شرودي .. عندما اصطدمتُ بالكتل البشرية .. المبعثرة على أرض ” المولد ” وكلهم يصرخون في هستريا :
حيّ .. مدد .. حيّ .. مدد ..