.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

من أجل رموش زينة..مقتطف من رواية (عشقته متوحدا) للمبدعة التونسية/ بسمة الطهاري

كنت راضية بما قسم الله لي وسعيدة بلوني القمحي وتسريحة شعري العجيبة التي فرضتها علي أمي فعقصت كل شعري بقوة واضعة إياه في مقدمة رأسي الصغير حتى تكور جبيني ،كنت أسألها دوما أن ترأف لحالي وتسمح لي بفكه لكنها كانت تقول لي أن الصبية سيغلبونني عند أول خصومة وسيجرونني من شعري حتى أنبطح ، لقد أشبعت بمصطلحات الحرب حتى ليست روح المحارب وفقدت الأمل في السلام.

كنت أسير كل يوم إلى مدرستي وكلي يقين أن جبيني هو من سيخوض غمار الحياة عوضاً عني فقد سيطر على كل ملامحي .. لقد كنت قانعة إلى أن وضعني المعلم جنبا إلى جنب معها بنفس الطاولة، إنها (زينة ) فتاة الثامنة من عمرها كانت مستديرة الوجه ، فمها صغير مثل دمية وعيناها واسعتان تعلوهما رموش كثيفة ، كانت ضحوكا شديدة الحركة ذكية محبوبة وقد غمرتني بابتسامتها الجميلة وصارت صويحبتي التي لا تفارقني. كنا نجلس سويا ونتسامر ونشاكس ونتقاسم الطعام معا إلى أن دبت الغيرة بقلبي الصغير ... يقولون أن النساء يغرن كثيرا لكن الغيرة تمكنت مني وأنا طفلة ،شعرت لأول مرة بحياتي أن جدي لم يصدقني القول فقد كان يقول لي دائما أنني أجمل البنات وينادينني (عسل النحل) ترى أين رموشي؟ إنها قصيرة بالكاد ترى بينما تنسدل رموشها الطويلة كلما أغمضت عيناها وكلما ضحكت وكلما غضبت ، لقد صرت أرى الرموش الطويلة بوجوه متحركة تسخر مني وتخرج ألسنتها الصغيرة ضاحكة من رموشي القصيرة. و فكرت طويلا وهجرني النوم قبل أن أتوصل إلى حل عبقري يجعل رموشي تطول فكان علي قبل كل شيء أن أثور ضد تسريحة شعري وجور أمي ، لابد أن يختفي الجبين المكور أولا وأطلق العنان لخصلات شعري السوداء ثم بعدها علي أن أطبق نصيحة جدتي فقد سمعتها ذات يوم تحدث نساء القرية عن جدوى قص شعورهن كل شهر حتى تطول وضربت لهن مثلا عن شذب الأشجار حتى تنمو أكثر فأكثر. عند المساء كنت قد إختليت بنفسي مع مقص جدي المخصص لحف شاربيه ومع مرٱتي الصغيرة هويت على مقدمة رموشي فحففتها حفا وإبتسمت ابتسامة الظفر وشعرت بالطمئنينة تدب في روحي..وعند الصباح أفقت مع أول ديك أنتظر شروق الشمس بفارغ الصبر وأتحسسهما بيدي الصغيرتين فلا أصدق أنهما لم يطولا حتى أراهما بأم عيني . لكنني لمحت الجواب في عيني أمي المذعورتين وهي تقول: (يا عوقتك يا أم السعد) لقد رجتني رجا ورفعتني عاليا وهوت بي أرضا وكأنني فرطت بعفتي وهي تردد ( هاطفلة فين شوافرك) أين ذهبت رموشي فعلا لست أدري ! لكنني كنت سعيدة ومرتاحة البال فقد فعلت ما كان يجب علي فعله والغريب أن رموشي قد طالت فعلا بشكل غير معقول لكن بعد سنوات طويلة .، وقد هان كل العذاب من أجل رموش زينة،..
بسمة الطهاري مقتطف من رواية عشقته متوحدا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق