الألوان بالنسبة للرسام مادة أساسية و بدونها لا يستطيع إنجاز لوحاته ، و قد سمعت في أحد البرامج الإذاعية أن الرسام الشهير بيكاسو غلب على لوحاته اللون الأزرق في البداية لأنه لم يكن باستطاعته اقتناء ألوان أخرى و قد كانت هذه المرحلة تعبر عن اكتئابه أيضا ، و فان جوخ هو أيضا طغى على لوحاته اللون الأصفر و لم يكن الأمر كذلك إلا لنفس العلة ، فلقد كان الأصفر وحده ما يتوفر عليه أكثر ، و من أين له أن يأتي بألوان أخرى فهو لا يملك ثمنها ، و قد كان البؤس و الفقر طالع و قرين كل المبدعين و العباقرة دائما و خصوصا في بداية حياتهم و مشوارهم الفني ، فالزمن لا يقدر أناسه إلا بعد رحيلهم ، و كأنه يود أن يصرخ و يقول : من لا يرضى عن حاله و يصبر و هو يعلم أنه يستحق أفضل و أكثر ، فلن أمنحه ما يستحقه إلا و هو تحت التراب ، و ما نالوا من شهرتهم سوى انتشار صيتهم و أعمالهم بعد رحيلهم ، بينما نهل الآخرون الأموال و الأموال من أعمالهم حينما أصبحت تباع في المزاد العلني بأعلى الأسعار ، لا لسبب سوى أنه لا أحد سينجز من بعدهم ما أنجزوه ، و هناك مثل فرنسي يقول "la rareté crée la valeur" أي أن الندرة هي من تمنح قيمة أكبر ، فكلما توفر شيء ما بكثرة كلما هزل سعره ، و كلما شح كلما ارتفع و علا و هذا قانون العرض و الطلب الذي يسود دائما و يحدد قيمة الأشياء .
و هكذا كان فلا أحد يستطيع منح أكثر مما لديه ، فمن يملك حبا و أخلاقا و علما سيمنح و لن يتوقف ، و من لا يملك سوى التفاهة و قلة الأدب و البغض و الحسد لن يستطيع أن يجود بأكثر مما لديه ، فكل إناء ينضح بما فيه ، و كل إنسان يجود بما يتوفر عليه أكثر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق