.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

الكتابة تشبه الإبحار في سفينة..بقلم د.نجية الشياظمي

كلما أمسكت القلم ، أحسست و كأنني أود توجيه دفة السفينة التي أستقلها إلى اتجاه لا أعلم نهايته ، لكنني أعلم كل العلم بدايته و نقطة انطلاقه ، فيعتريني ذلك الشعور بالسعادة المخبأة في مكان ما ، دون أن أدري أين هي بالضبط ، لكنني مستعدة للذهاب و البحث عنها دون أدنى شك . و ما عيشنا للحياة إلا من أجل هذا ، من أجل العثور على المفتاح السحري الذي يغلق كل نوافذ البؤس التي تطل علينا في كل يوم مبتسمة لنا تارة و متهكمة علينا تارة أخرى ، و الغريب في الأمر أن بقدر ما للمفتاح من دلالة و قدرة لاسمه على الفتح ، فهو لا يقل عنها في عملية الغلق أيضا ، فيكفي أن نغلق بابا للشر كي نجد الخير يتدفق نحونا ، و أن نغلق نوافذ الحزن و الكآبة كي نجد الفرح يطل علينا و يتسلل نحونا ، و لا أرى لشيء نفس الدور و عكسه إلا المفتاح _على الأقل في هذه اللحظة _ فوحده المفتاح يفتح و يغلق في نفس الوقت .
و عالم الحروف يشبه البحر العميق ، و كل كلمة نركِّبها تشبه إما عثورنا على لؤلؤة غالية الثمن أو مجرد صدفة فارغة لا قيمة لها و ذلك حسب مهارة البحث و التنقيب ، و كلما كان  بذل الجهد المتعمد في ذلك كبيرا و جادا كلما كانت نتائجه طيبة و سارة ، و كلما كان البحث سطحيا و سريعا كانت النتائج هزيلة و ضعيفة ، و لذلك فإن الوقت الذي يقضيه الكاتب في تركيب تعابيره و ألفاظه فهو إنما يشبه في ذلك الصائغ الذي يصفف تلك الجواهر الثمينة الموجودة بين يديه كي يصنع منها تحفة لا شبيه لها في عالم الصياغة و نقش الذهب . هكذا هي الكتابة ، أو هكذا يجب أن تكون ، دررا ينثرها الكاتب ليمتع بها القارئ و يشنف بها أسماعه و يسعد عقله و بصره بما يتشاركه معه من أفكار و رؤى متنوعة كونها من قناعاته و بحثه و اجتهاده ، فنحن حينما نقرأ نعيش في نفس الوقت أفكار و مشاعر و أحاسيس كاتب الكلمات في اللحظة التي كان يمسك القلم بين أنامله و الصور بين مخيلته و تخيلاته . و ما القلم إلا سلاح بين يدي صاحبه يصوبه حيث يشاء ، و ما هو إلا سهم يختار بين اتجاهين ،  اتجاه الخير و الصلاح أو اتجاه الشر و الضياع . و من يرمي شباكه وسط بحر الكلمات عليه أن يكون بالقوة التي تمكنه من التحكم فيما تمسكه شباكه كي لا ينقاد و راءها فتجذبه إلى  قعر مياهها العميق فيختفي و راءها غريقا لا يُسمع له كلام و لا يُقرأ له بعدها  حرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق