كم كنت أتوق أن أعرف ما يدور بكل رأس من رؤوس كل أولئك الراكبين معي في تلك الحافلة ، تعجبت كيف جمعت بيننا الظروف و الأقدار في ذلك اليوم كي نقتسم تلك الرحلة في ذلك الجو المشمس مع أنه كان من اواخر أيام الشتاء لكنه كان من دون أمطار . ترى بم تعج كل تلك العقول ؟ من الأكيد أنها مثقلة بكل ما يشكل عبئا في هذا الزمان على كل فرد منا ، وباء على وشك الاختفاء ، أسعار تلهب جيوب المواطنين ، جفاف عم البلاد رغم ما يبدو من خضرة آيلة للاصفرار ، هموم و هموم لا تنتهي ، لكن الأمل لا بد منتصر في النهاية ، هكذا تعودنا أن نعيش الأحداث حتى الصعبة منها أحيانا . قد تشتد الأزمات لكنها في النهاية تلين و تضعف أمام إرادة الحياة .
بينما يبدو الصمت على الأفواه لا يبدو أن الأمر كذلك بالنسبة للعقول ، فهناك عقول لا تتوقف أفكارها عن العصف بأدمغة أصحابها ، فيسكنها ضجيج لا يهدأ و لا يفتر ، ترى لو أطلقنا العنان لكل من هؤلاء أن يصرخوا بأعلى أصواتهم ، كي يفرغوا كل ما يجثم على صدورهم ، ماذا سيقولون يا ترى ؟ و لمن ستكون الغلبة في الشكوى للرجال أم للنساء ؟ من تراه متعب و مثقل أكثر ؟ من تراه يكتم غيظه حد الانفجار ، بل من تراه يجرأ أن يتحمل أكثر ؟ فقد أصبحت الحياة رغم جمالها و روعتها تسحق و تدهس عائشيها و كأنها تود أن تبرهن أنها هي الأقوى ، هي المتحكمة في رغبتنا لعيشها ، لكنني لا أصدق ظني
فالحياة تحب من يحبها و تلين لمن يلين لها . يقولون أنه علينا أن نكون قطرة الماء التي لا تقاوم أي شيء في طريقها ، فهي تجد دائما مسربا تكمل منه طريقها دون أدنى تذمر أو شكوى ، فمن يستطيع منا أن يكون تلك القطرة الباردة و الهادئة المستكينة و المستسلمة لمسارها نحو المصب ، من يا ترى يستطيع أن يكون كذلك في زمن يلهث فيه الجميع نحو مقاومة العقبات و التغلب عليها ، من يقدر وسط كل هذا الصخب أن ينعم بالهدوء و برود الأعصاب درجة قطرة الماء تلك؟
قد يبدو الأمر صعبا شيئا ما لكنه في النهاية ضروري و لازم ، و من لا يمنح نفسه راحة محارب يلملم فيها قواه و يشحذ عزيمته سيجد نفسه منكسرا و منهزما و مجرد حطام في دنيا كل ينادي فيها نفسي نفسي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق