ماذا لو كنا بقلوب حجرية أو حديدية ؟ كنا سنكون أقوى و أصلب ، كانت قلوبنا ستكون مريحة لنا و ممتعة ...فلا ألم ، و لا دموع و لا مشاعر تدمر كل شيء ، تخلط كل الحسابات و تفسدها ، أو ليست العاطفة هي ما يقودنا للهلاك ؟ بكل تأكيد و دون أدنى تردد ، سيجيب كل العاطفيين بنعم و يتفقون معي ، لأنهم يعلمون جيدا مدى الخراب الذي تسببه المشاعر في عالم أصبح لا يعترف إلا بالعقل ، و الحسابات الدقيقة و المضبوطة . فما الداعي إذن لهذا التعب اللامنتهي و المستمر و الدائم ، لماذا يتعب العاطفي و يرتاح القاسي و المتحجر ؟؟؟
أجل يعلم العاطفيون أنها اختياراتهم ، لكن من منا اختار الظروف التي صنعته و لا الوالدين الذين ربيانه ،فالمربي يشبه صانع الزجاج الذي حينما يخطئ في تشكيل أي تحفة زجاجية فإنه ساعتها لا يملك إلا أن يكسرها و يرميها لأجل إعادة تصنيعها _و مع أنني بحثت طويلا كي اعرف ما تؤول إليه القطع الغير صالحة من الزجاج لكنني لم أجد شيئا _و من المؤكد أنها لن تؤول إلا إلى البيع بأرخص الأسعار ، أو أنها ستكسر لتكون أساسا لصنع شيء جديد و مختلف ، و أحيانا ستباع بأعلى الأسعار.... فكم من إبداعات حصلت بمجرد الصدفة.....
نعلم جيدا أننا نضحك على أنفسنا و على بعضنا حينما ننادي بالتغيير ، لسنا ضد التغيير ، لكن أن نطالب بالتغيير الجذري و يصبح الإنسان مختلفا رأسا على عقب ، فهذا مطلب صعب على ذوي القلوب المرهفة ، لأنهم حينما يتغيرون بعد بذل مجهود خرافي يصبحون كالأسود الجريحة ، فيودون تعويض كل ما ضاع منهم ، كما يودون الاقتصاص ممن آذوهم و جعلوهم يتألمون في صمت و دون أن يلتفت لهم أحد ، بل حينما يلتفت أحدهم لن يقدم إلا لوما و انتقادا و تجريحا أكثر . هكذا يصبح الإنسان العاطفي حينما يتعرض للكثير من الأذى لا يملك إلا أن يتجرد كليا مما كان سببا في تعاسته و عذابه و شقائه ، من كل أحاسيسه و عواطفه ، بل إنه يود أن يصبح أقوى و أصلب و أقسى من كل أولئك ليبرهن لهم أنه قادر على إيلامهم كما آلموه ، على إيذائهم كما آذوه......
نحن بشر و لا نملك صنابير للمشاعر نغلقها و نفتحها متى نشاء ، كنا أننا لسنا مخوقات آلية مزودة بأزرار تمكننا من التحكم في العاطفة بدرجة كذا كي نقلل أو نزيد فيها ، نحن صنع رباني و تركيبة سماوية ، أي نعم " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"و أيضا"و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"
فرفقا بهم و بتلك القوة الخفية التي لا يحسها و لا يعيها إلا القليل من الناس ، و دعوة لأصحاب القلوب الغليظة أو العاقلة أن تترفق في التعامل ، لأننا نحتاج جميعا إلى تبادل الأدوار بين الفينة و الأخرى ، و لا يمكن للين أن يستمر في رقته و طيبوبته ، و لا للقوي أن يستمر في قوته لأنه حينها سيجبر الطرف الذي يعتبره أقل منه قسوة أو عقلا ، في أن يصبح إنسانا مختلفا ، و حينها لن يعم إلا العقل و الموازين و الحسابات الدقيقة ، كي يصبح الإنسان عبارة عن كتلة من المشاعر الميتة عبارة عن قطع من الصخر الجامدة ، يغلب فيها من يكون الأقوى و الأقسى و الأسوء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق