قد ينعت في ايامنا هاته بالعلبة الغبية ، نظرا لما أصبح يعبأ و يُحشى به من برامج تافهة و غير هادفة بتاتا ، عكس ما كان عليه في بداية اختراعه و استعماله . فقد كان البث عليه لا يتجاوز بضع ساعات في المساء فقط ، و كانت جل البرامج إن لم يكن كلها مفيدة و متنوعة و في كل المجالات ، و قد كانت الأسر تتحلق حول ذلك الجهاز الذكي في نهاية كل أسبوع حيث تكون العطلة الأسبوعية ، و أحيانا حتى الجيران ممن لم يتوفر بعد على هذا الجهاز الغريب الذي كانت صوره في البداية بالأبيض و الأسود ، ثم أصبحت بعد ذلك ملونة جميلة ، ثم تطورت بعد ذلك لتبدو و كأنها حقيقية ...
و في أيامنا هاته ، و في جل البيوت أصبح عبارة عن صندوق لا قيمة له ، مركون في زاوية ما و أحيانا في كل غرفة ، لكن ما أن جاء النت و توسعت شبكته ، أصبح في متناول الجميع مشاهدة و متابعة ما يود متابعته على أجهزة أصغر و أذكى، ألا وهي الهواتف الذكية . و بعد أن كان أفراد الأسرة يتناقشون
في المواضيع التي كانت تعرض على التلفاز و كانوا يشاهدونها
معا ، فقد أصبح كل فرد منعزل في غرفته يتابع ما يشاء و متى يشاء دون أن يحس به أو يلتفت إليه أحد .
لقد كان التلفزيون في مرحلة من مراحل عمر جيل معين _جيل الستينات خصوصا_ أروع جهاز تابعنا عليه دروس الشيخ الشعراوي و ابتهالات الشيخ النقشبندي في شهر رمضان ، كما تابعنا سهرات كوكب الشرق أم كلثوم و عبد الحليم حافظ و غيرهم ممن أتحفونا بالفن و الطرب الراقي و المميز ، فهل يا ترى ما أصبح يعرض حاليا من إنتاج رديئ بسبب رداءة الأذواق ، أم لأن وسائل الإعلام المرئية لم تعد تأبه لأهمية ما يتلقاه المشاهد و خصوصا أبناء جيل التلفزيون .
كان التلفزيون مؤنس من لا مؤنس له ، و مثقِّف من لا يعرف قراءة الكتب ، كنا نتعلم و نستفيد منه كثيرا . كان المعلم و المربي و المرفه و المؤنس و كل ما نحتاج إليه . و الآن أصبح مضيعة للوقت و للكهرباء و للأخلاق في بعض الأحيان .
في هذا اليوم ، اليوم العالمي للتلفزيون أقول شكرا لكل من قدم لنا علما انتفعنا به ، و قيما تبنيناها و جعلناها من الأولويات
في حياتنا، شكرا لكل أولئك الذين كانوا يسعدونا بإطلالاتهم ، و يزرعون في أعماقنا الفرحة التفاؤل و لو بكلمة طيبة ، و منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر .
ستبقى ذكرياتنا مع التلفزيون حية نابضة في ذلك الزمن الذي عزت فيه وسائل الاتصال و التكنولوجيا ، حيث كنا نتبادل الرسائل ، و نشاهد أفلام الكرتون التي تعلمنا منها الكثير و الكثير ، و يا ليت ذلك الزمن الجميل يعود لنا ، و يعلم أبناء اليوم ما عجزوا تعلمه من كل هذه الفوضى التكنولوجية التي نعيشها اليوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق