إنه مجرد توهم لا أساس له من الصحة ، كل دقيقة ، كل ثانية في هذا العالم لا تشبه الأخرى مهما حاولنا إقناع أنفسنا بالعكس ، كل شيء في هذا الوجود في تغير مستمر في كل لحظة و ثانية ، قد تبدو لنا كل الأمور على حالها ، و في حالة جمود و ركود مهولة ، لكننا لا ندرك و لا نعي تلك التغيرات الطفيفة و المستمرة التي تحدث ، حتى في ذواتنا نحن ، فنحن اليوم لسنا ما كنا عليه البارحة ، و لا ما سنكون عليه غدا و لو حتى بعد حين قليل . فنحن في تبدل مستمر ظاهرا و باطنا . و ما لم يتغير فينا فلأننا نحن من نملك قرار التغيير لكننا لا نرغب في ذلك ،إما لأننا نستصعب الأمور أو نخاف منها .
يصيب التغيير كل شيء رغم عدم تمكننا من اكتشاف أدق التفاصيل لذلك ، و قد نتوصل إلى ذلك من خلال ما يملكه العلم من وسائل دقيقة كالمجاهر التي تكبر الأشياء و تمكن من الإطلاع على أدق تفاصيلها من أجل دراسة تركيبها و مكوناتها و تطورها ، و ما يطرأ عليها من تغيير مع مرور الوقت . فورقة الشجرة التي نراها كل يوم كما هي دون أن نفكر فيما يمكن أن يطرأ عليها من تغيير ، ليست كما هي ، و لكنها تكبر و تنمو و تختلف في كل يوم عن اليوم السابق ، و وجوهنا التي نراها كل يوم في المرآة ، ليست باقية على حالها منذ أن تفقدناها آخر مرة ، حتى الأرض التي نمشي عليها و السماء التي نرفع رؤوسنا لرؤيتها في تغير مستمر دون توقف . فأين هذا التكرار الذي نتكلم عنه أين هو هذا الروتين الذي نشتكي منه ، ليس له وجود ، ربما هو في أفكارنا فقط فهي من تبقى جامدة و لا يمسها التغيير ، و هذا ما يجعلنا نتوهم جمود و سكون العالم و الكون من حولنا .
كل شيء يتغير فينا و من حولنا فأين هو الروتين الذي لا نتوقف عن التذمر منه ، و الشكوى من أنه يجعل أيامنا صفحات متشابهة عليها نفس الكلمات المتكررة الرتيبة و المملة ، و التي كلما نظرنا إليها أصابنا الخمول و اليأس و القنوط ، لأننا تعبنا من الانتظار الطويل لذلك الحلم الجميل ، الذي سيرفعنا إلى تلك الآفاق المشرقة و الفسيحة ، قد تكون تلك الصورة التي وضعنا ملامحها لذلك المستقبل البهيج في قمة الروعة ، لكن الشكوك و المخاوف التي ظلت تساورنا في كل لحظة ، كانت تعرقل المسير في يسر و سلاسة من أجل الوصول إليه . نشكو من الملل بسبب عدم انتباهنا لتلك التغيرات الطفيفة ، فنحن لا نلاحظ التغيرات البسيطة ، لذلك نظل في ترقب لتلك التغيرات المهولة و الخطيرة ، و التي قد تقلب الأمور أحيانا رأسا على عقب . كل شيء في تغير حتى ما لا نتمكن من التوصل إلى تفاصيله الجديدة . لنؤمن بالتغيير لعل أفكارنا و حياتنا تتبدل إلى الأفضل و الأحسن و الأجود و الأروع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق