كان يصرخ و كأن النار قد اشتعلت في جسده ، أو كأن السقف إنهار فوق رأسه ، أثار فضول باقي الموظفين و اندهاشهم ، كانت المسكينة تحاول أن تهدئ من روعه ، لكنه كان لا يصغي و لا ينصت ، بل كان يصغي و ينصت فقط لشيطانه الذي كان لا يزيده إلا صراخا و احتراقا ، هكذا كانت تحكي و هي مفزوعة من ردة فعل مديرها في العمل ، لم تتمكن من إقناعه بأن ما حصل لم يكن بالخطورة التي كان يعتقدها ، لكنه أصر على التشبث بموقفه و بالتالي معاقبتها على ذلك الخطئ البسيط الذي اعتبره ذنبا لا يغتفر .
فعلا لقد كان يحترق كما وصفته لكنه لم يكن يعي خطورة الموقف ، لم يكن يعي مدى الأذى الذي يسببه لنفسه ، مدى التدمير الذي يدمره لذاته . لكنه كان يرى نفسه على حق و صواب ، و لأنه محق و على صواب كان يود لو يقطع نفسه أشلاء ليجعل الكل يعلم أنه على حق ...
من المؤكد أننا مررنا جميعا بمثل هذا الموقف مرة أو مرات ، لكن من يذكر ذلك فنحن كثيرا ما ننسى . و هذه غالبا ما تكون كدة فعل للناس العاديين ، لكن الناس المميزين لا يفعلون ذلك ، الناس الذين يحترمون ذواتهم و يقدرونها يحافظون على صحتهم و سلامتهم ، و يحاولون ما أمكن أن يتجنبوا كل ما يؤذيهم ، و كل ما يشكل خطرا على صحتهم ، فليس هناك ما هو أثمن منها ، فالصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى . هكذا علمونا أن الجسد أمانة و أن المحافظة عليه واجب مقدس .
الغضب هو المارد القاتل الذي يقتل أمورا كثيرة ، أولها صحة من يغضب - حتى و لو كان هناك ما يتطلب الغضب - فهو يجعل الجسم يعيش أجواء وهمية من الحروب و المعارك لا توجد إلا في مخيلة صاحبها ، يُستنفر الجسد كله من أجل الدفاع عن نفسه من عدو لا وجود له أصلا . فيختل توازنه و تضطرب وظائفه و يصاب بالأمراض ، و أكثر ما يجعلنا نغضب هو توهمنا بأن من أغضبنا لا يود من تصرفه إلا التقليل من شأننا و قدرنا ، و أنه يرفض الإمتثال و الخضوع لأمور تم الاتفاق عليها مسبقا . و هذا ما يثير حفيظة جل من يغضبون .
يقتل الغضب خلايا الدماغ قبل أن يقتل العلاقات الإنسانية ، لأن الغضبان لا يتحكم في ما يتفوه به من كلام جارح و أحيانا ساما و قاتلا ، لا لسبب سوى أنه لا يضع في اعتباره و تركيزه إلا رد الاعتبار لنفسه و كرامته . يدمر الغضب الكثير من الروابط و العلاقات أحيانا تكون علاقات عادية و كثيرا علاقات قريبة و حميمة ، لأننا لا نلقي بالا لما يؤذينا من الغرباء ، لكننا نهتم كثيرا و نعطي قيمة لكل ما نسمعه من أحبابنا و أقاربنا .
هم أكثر من نعتمد عليهم في دعمنا و الدفاع عنا ، لذلك فإن الأذى الذي قد يصيبنا منهم يكون قاتلا و مميتا لدرجة لا تصدق .
فرفقا بأنفسنا و رفقا بأحبتنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق