رغم ما يقولونه عن لعب دور الضحية ، إلا أنه ليس هناك ما هو أسوأ و أخطر منه على الإطلاق ، دور يجعلنا نخلد للراحة المميتة ، فالراحة شبه الموت ، لكننا نحبها لأنها تكلفنا مجهودا أقل ، بل ربما لا تكلفنا شيئا ملموسا لكنها تكلفنا الكثير ، و تخسرنا أكثر . قد لا نعي ذلك في أغلب الأحيان لكنها الحقيقة التي لا شك فيها ، لكن ما السبب في تفضيلنا لتقمص هذا الدور؟ من المؤكد أن هناك أسبابا كثيرة إن لم يكن سببا واحدا فقط ، نعلم أن كل ما نتشبع به من معلومات و خبرات و قيم و مثل عليا يكون نتيجة ما نتلقاه في السبع سنين الأولى من طفولتنا ، و قد مررنا بتجارب كثيرة حتى و إن لم نكن نذكرها
لكننا عشناها على الأقل مع أبنائنا ، من منا لا يذكر حينما ترتطم تلك القدم الصغيرة الناعمة لطفلنا أو طفلتنا مع رجل الطاولة ، فنهرع لنجدتها و تخفيف الألم عنها ، و نحن نضرب رجل الطاولة عقابا لها متهمين إياها بأنها السبب فيما وقع ، دون أن نثير انتباه ذلك الطفل الصغير أن له نصيبا من المسؤولية فيما وقع له ، و أنه لم ينتبه أثناء مشيه بسرعة إلى ذلك المتهم البريء -رجل الطاولة-و كثيرا ما يتكرر هذا الأمر ، مع كل الأشياء التي تحيط بالطفل خلال يومه ،فيتعود على إلقاء اللوم على كل شيء إلا على نفسه ، و هنا تكمن المشكلة ، فقد علمناه لعب دور الضحية ، و قد تعود هو عليه ، و لن يتحمل مسؤوليته أبدا مهما تعرض له من مشاكل ، فقد علمناه الحل السحري الذي بإمكانه اللجوء إليه كلما وقع في ورطة أو مطب أو مشكلة .
علمناه أن يعيش دور الضحية و عدم تحمل المسؤولية ، و هو أفضل حل في أصعب الظروف و كثيرا ما يمارسه معنا حماية لنفسه من أي عتاب أو لوم ، و هذا السبب الثاني الذي يساهم في تفاقم المشكلة ، فخوف الطفل من العقاب يجعله يبحث عن أي عذر أو مبرر ينقذه من الموقف الصعب الذي وقع فيه .
قد يصعب علينا العمل على الرجوع إلى الوراء لأجل تصحيح ما ارتكبناه من أخطاء في تربية أبنائنا ، لكن مجرد وعينا و إدراكنا بالأمر قد يساهم كثيرا في تدارك الموقف ، و في تعديل السلوكيات الخاطئة و التي نتوارثها أبا عن جد دون الوعي بخطورة الأمر و ما تترتب عليه من نتائج وخيمة قد نتأذى منها جميعا . التربية الصحيحة بدون مخاوف و لا عقد هو أكثر ما نحتاج إليه لأجل الرقي بمجتمعاتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق