أحقا نحن من نعيش هذه الحياة أم أنها هي من يعيش فينا ؟ سألت نفسي و انتظرت الجواب فوجدتني موقنة بأن الحياة هي من تعيش من خلالنا و لولانا لما كان لها معنى و لا مغزى ، من خلال كل فرد منا تنسج خيوط أيامها و لياليها ، تاريخها و ذكرياتها . و في كل مرة تنتهي الحكاية بانتهاء عمر صاحبها ، ثم تعوضه بآخر و هكذا هي باقية و مستمرة ، و نحن من نغادرها و نترك لها قصصنا فصولا من سجلها اللامنتهي نسبيا بالنسبة لنا ، فأعمارنا مجرد أيام معدودات في عمر الزمان و الحياة ، كل منا يلعب دوره في حكاية و رواية طويلة و معقدة و متشابكة الفصول ، عدد صفحاتها يبدو لا متناهيا ، منا تأخذ ألوانها المشرقة أو القاتمة حسب ما يرتسم على وجه كل منا ، منا تأخذ المساحة الكافية لرسم اللوحة ، فتضع كلا منها بجانب الأخرى إلى أن تكتمل الصورة الكبيرة المكونة من قطع يكمل بعضها البعض ، كلوحة اللغز أو الأحجية (puzzle) التي يتبارى الأطفال في تركيبها لتكون مرتبة و منظمة كما ينبغي لأجل إعطاء المعنى الذي صنعت من أجله ، هكذا هي الحياة ، نعيش فيها كتلك القطع من الكرتون أو البلاستيك و أحيانا من الخشب ، و لكل قطعة مكانها و دورها الخاص تماما ، في بناء اللوحة الكاملة منذ بداية الخليقة إلى يومنا هذا . من هنا يبدو أننا نحن من نصنع الحياة لا هي من يصنعنا ، نحن أصحاب الأدوار المنوطة بنا ، أصحاب الأدوار الأساسية ، فلا الجبال و لا الأشجار و لا الطيور و لا الوحوش تستطيع أن تغني تاريخ الحياة أو تضيف إليها أو حتى تؤثر فيها ، لأن هذا هو دور الإنسان فقط ، حامل الأمانة ، صاحب العقل و التفكير ، هكذا جعل الخالق الانسان محور الحياة و الزمان بمختلف حقبه و عصوره .
نحن صانعوا الحياة و نحن أبطال روايتها الطويلة ، شخصيات كثيرة تتوالى و تتبادل الأدوار فيما بينها ،فيصبح الطفل الذي كان ابنا في فترة معينة يصبح أبا و بعدها جدا ، و تصبح الطفلة كذلك أما فجدة ثم لا شيء ، لأن الفناء طبيعة المادة و لا بقاء إلا للأرواح و للخالق الدائم و الباقي للأبد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق