.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

د. بشار عيسى يكتب عن .. الوطن!


كيفما يكون الوطن تكون حركة تاريخه فوجوده يكمن في ذاكرته و الوطن الذي يفقد جوهر خصوصيته سيفقد وجوده ، و يتجلى حفظ كينونة الوطن من خلال التركيز على الرؤية الواضحة للمستقبل و معركة بقاء الوطن و إنشاء الدولة الحضارية للوطن بمؤسساتها التشريعية و التنفيذية وفق الأبعاد الإنسانية الشاملة و الحوار البناء مع الجميع وفق مبدأ سيادة الوطن و قراره الحر .
يُقصد به تعريفاً بالمفهوم الشامل بأنه مجموعة من البشر عاشوا و يعيشون مع بعضهم البعض وفق اتفاقية العيش المشترك ( الدستور ) و مقومات و ثوابت أساسية محددة تعارفوا عليها و تآلفوا معها و يعمل على لم شملهم و توحيد كلمتهم و مواقفهم تجاه القضايا المصيرية و يُشعرهم بالسيادة و العزة و الفخر ضمن مختلف المجتمعات البشرية على المستوى الإقليمي و العالمي .
للوطن فلسفة فريدة يختص بها منفرداً ، لم تضعها أفكار حروف الرؤى و لا ألباب عشاق الأوطان ، بل صاغها هو في لُب العقول ضياءً مخبأً في مصابيح النفوس و قصائد من أثير تشدو بها الأرواح ، فالوطن عزف جمالي جماعي لإبراز بصمات التاريخ الإنساني المنحوتة فيه بأبعادها المختلفة و كنز من ضياء لامع و جذوة من لهيب عشق لاذع و طيور محلقة من عميق فرح على شرفات الأماني و أشرعة رواسي عند شواطىء الذكريات و حقول قمح ذهبية رنمتها الشفاه عند تخوم البيارات و خيرات أُعطيت لسكانه لتُقسم بفيض بركة و محبة و رضا على الجميع .
بلدنا من أقدم الأماكن الحضارية و المأهولة في العالم ، و قد انتقلت لسكانه مزايا من سكنه في سالف الدهر ففي نفوسهم من السجايا و الخصال مثل ما في أرضه من آثار التمدن و بقايا الماضي العريق كطبقات فوق بعضها البعض و تجري الحضارة في عروقهم مع الدماء كجمال الفتوة و جلال الشيخوخة التي تحمل رايتها لأنها بداخلهم طبع و سجية و في غيرهم تطبعاً و تكلفاً ، و لعل كثيراً من أعرق الحضارات و الإنجازات التي نشأت خارجه هي من صنع و نتاج أبنائه الذين هاجروا إلى مختلف أصقاع الأرض ، و رغم كل الظروف و الأزمات فما زال وطننا الغالي منبعاً للمفكرين و العلماء و الأطباء و الأدباء و المتميزين في شتى نواحي حياتهم الذين يهاجرون إلى بلاد عديدة تتوفر فيها الظروف المناسبة لتأمين حياة رغيدة و معيشة كريمة و مستوى متطور في نهل العلوم و المعارف ، و في حنين فؤاد كل واحد منهم لوطنه يتساءل عن كيفية رد الجميل لوطنه الذي عاش فيه طفولته و جزءاً جميلاً من شبابه و صباه لأن حب الوطن يجري متدفقاً في دماء العروق و الإنتماء له يبقى شرفاً سامياً مهما طال تحليق المسافر بأجنحته .
يستطيع كل مغترب مقتدر مالياً و يمتلك الإمكانات المناسبة أن يأتي لوطنه و يصدق النية و يُساهم منفرداً أو بالاتفاق مع آخرين بإشادة المدارس و الجامعات و المشافي و الوحدات السكنية و مشاريع البنى التحتية و المرافق العامة و الخدمات الاجتماعية ، و في هذا العصر الحديث الذي تتوفر به إمكانيات هائلة في قطاع المعلوماتية و الإنترنت و التقنيات المتسارعة و الثورة الرقمية يستطيع كل فرد مغترب أن يكون رسولاً فاعلاً لبلده العزيز و المنيع بخطاب حضاري و ذلك من خلال تنظيم الدعوات و إنجاز كل الترتيبات لإقامة و حضور المؤتمرات العلمية و الطبية و المعارض الاستثمارية و التخصصية و مختلف المهرجانات السياحية على امتداد العام على أرض وطنه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق