تتغير الوقائع على الأرض لا بفعل الجيوش، ولا برسم السياسات، ولا بتخطيط مراكز الأبحاث هنا و هناك، لكن الوقائع تتغير بتغير الفكرة، فالفكرة هى محور تغيير سير الأحداث على الأرض انتفاءاً ووجوداً ، فلما كانت فكرة الحكم فى أوربا فى عصرها الوسيط، هى فكرة دينية، توجه مصائر الأمم وفق تعاليم الكنيسة ، كانت الوقائع والسياسة بل والأحداث تدور فى فلك ذلك العنوان، الذى هو فكرة المرحلة، ولما بزغ فجر النهضة الأوروبية، استلهم الأدباء فكرة الخلاص التى كان عنوانها، تحييد الدين عن الحكم ، فظهرت الدولة القومية ، وسقطت إمبراطوريات كانت تُسيرها وتتحكم فيها الفكرة الدينية ، وخاضت أوربا غمار حروب ضروس للإرتحال من فكرة إلى فكرة، حتى استقرت عبر الزمان على فكرة استبعاد الدين من حياة الشعوب، بل والكفر به . ولما كان المشرق العربى فى طور الانحدار والضعف، فى زمان محنته ساعة لم يكن لديه فكرة، بل كان يقوم على نسق محتل غصب الأرض، وقسَّم الأوطان، وفرض عليه بالقوة فكرته فى تسيير الحكم، حتى أتت ثورات الاستقلال المنادية بسيادة الأوطان والتحرر من الاحتلال خطت مع الزمان طويلا، حتى أنجزت الاستقلال فى أهم عنصر من عناصره، ألا وهو خروج المستعمرين من المنطقة ، وبقيت منطقة الشرق العربي تعانى آثاره حين تم غرز البؤرة الصهيونية للكيان الإسرائيلى ليعيق تقدم الفكرة العربية، التى هى الاستقلال، وظل المشروع العربى مستمسكاً بالفكرة، تعلو حيناً وتفتر حيناً آخر حتى سقطت الفكرة فى أتون مخططات عصفت بالمنطقة، فنساها الناس وراحوا يطلبون الخلاص من حكام أرهقتهم فإذا بالأيادى الخارجية تمتد إليهم ، فإذا بالفكرة الداخلية تحدث خراباً فى المنطقة ودماراً، بيد أن تلك الأحداث الدامية أيقظت منطقتنا من جديد، وأحيت فكرة الاستقلال، وهذا ما رأيناه فى ثورة 30 /6 المجيدة التى أسقطت المشاريع والأفكار الغربية بالمنطقة، ويبقى هذا هو العنوان الرئيس الذى يجب علينا أن نستمسك به، لأن فكرة الاستقلال هى الفكرة الأم لقيام الدول وتقدمها .
حمى الله أمتنا وألهما فكرة الخلاص ودحر الأعداء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق