لقد عشت كثيرا في هذه الدنيا، عشت الكثير ورأيت فيها الكثير حتى زهدت فيها وتمنّيت لقاء الله. رأيت والدة تصفع رضيعها وتضربه على رأسه وهو في شهره الثالث لكي يتوقف عن البكاء، ورأيت والدة تربط ولدها وتسجنه في الحمام وترمي له الأكل مثل كلب، لأن الغائط كان يسبقه إلى سرواله قبل أن يصل إلى البيت. ورأيت أختا تسجن قطة أختها وتحرمها من الأكل انتقاما من أختها. ورأيت والدا ينهب أثاث ولده في جنازته ويطرد زوجة ابنه وأولاده اليتامى الصغار، ويلاحقهم بدعاوى قضائية لأجل ميراث شبر كانوا ينامون فيه. رأيت زوجات كثيرات يفتخرن في المجالس بأنواع السحر الأسود التي افتعلوها لأزواجهنّ، وحتى لأولادهن وبناتهن للسيطرة عليهم، ويظهرن أمام المجتمع على أنهن نساء صالحات وبنات ناس محترمات وعائلات نظيفة ومستورة وبيوتهن مبنية على الحلال ويطلبن من الله التوفيق. ورأيت أخا ينحر أخته لأنّه لم يجد عندها مالا يسكر به، فقذفها النّاس بالعهر ورفعوا أصواتهم مكبّرين مع الإرهابيّ الذي طهّر شرفه وعاش مرفوع الرّأس بطلا بين الأوباش، تلك الأشياء النّتنة المتحرّكة التي تسمّى أبناء (ناس وفاميلية). رأيت وسمعت، ورأيت وسمعت ورأيت حتى تمزقت شبكيتا عينيّ أولياء يعاقبون بناتهم وأولادهم بالسكاكين، والأدوات الحادة وما يماثلها، وبما هو أدهى وأمر وأعمق تجريحا بالصمت العقابي، بالإهانة والطرد، بدفعهم إلى البغاء والإجرام، ثم استغلال سلطتهم الاجتماعية في تقديم الشكاوى ضدهم وإدخالهم السجون ودفعهم إلى تعاطي المخدرات، ثم اتهامهم أمام المجتمع بالفساد والعقوق لممارسة دور الضحية. أمثلة كثيرة رأيتها وسمعت عنها وجرائم عديدة حدثت لي شخصيا، من أصحاب المكانات، كل حسب سلطته، فالحارس الفاسد في مؤسسة ما يستعمل سلطته ليمنعك من الدخول، بينما يسمح لشخص آخر يعرفه معرفة المصلحة أو قدم له رشوة، والمدير الفاسد يقطع طريقك نحو حق من حقوقك إذا لم ترضخ له بالشكل الذي يريد، الموظف المتحرش، والمسؤول المغتصِب، والجارة الحاقدة، وربّ المجلس النّجس، والمواطن المؤذي والشياطين الصغيرة التي على هيئة أطفال منغوزين بأوامر سفليّة لجعل يوم أحدهم حالكا، الحبيب الخائن والغدّار والمتلاعب، والرّفيق المنافق المتلوّن، القريب الحاسد، والبعيد المتربّص الخائف من أن تغدو أجمل ممّا أنت عليه، والمتحجّر الذي يراك مختلفا عنه ويكرهك لأنّك لا تشبهه. الكثير من الشر المختبئ في النفوس وينتظر سلطة ما تفجّره، لأسباب غير واضحة أحيانا مفادها فقط {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
بحث
صيدنايا اجتماعية..نُسيبة عطاء الله
إنّها الصّدور التي على هيئة صناديق باندورا تخرج منها السّموم على شكل أفعال غريبة على النفوس السليمة، فكثيرون من في هذا المجتمع وكما قال تعالى: "وأكثرهم الفاسقون"، يتحكم في نفوسهم المريضة إبليس، وهم مستعدون أتمّ الاستعداد لإحداث الضّرر، والأنكى من ذلك أنّهم يرون الأذى حقّا مكتسبا، منهم من يستعملون سلطة الدّين الذي من إملاء أمراضهم، ولا يفقهون أنّه أذى لأنّ نفوسهم جبلت على الشّر حتّى ولو تحدّثوا بالقرآن وعلوا المنابر، بل لكي يكبر شأنهم بين النّاس، يشتعل كبرهم وظلامهم ويزيد فجورهم فجورا. كلّ هؤلاء، كلّ واحد منهم إذا حصل على بصيص منصب أو مال، حتى لو كان في البيت أو الشارع أو العمل أو أي مكان، سوف يطغو الطّغيان المبين، ظاهرا أو باطنا سرّا أو علانية.
نحن نعيش مع مرضى لا يمكننا التّكهن بهم أحيانا. صورهم برّاقة، واجهاتهم لامعة وأسماؤهم رنّانة، قد يظهرون لنا الحبّ والولاء، قد يشاركوننا المأوى والاسم والدّم والحياة والوطن، ولكنّ في أفعالهم ضدّ من يقع تحت سلطتهم سواء كان ذلك الذي (في قبضتهم) زوج أو زوجة أو ابن أو طالب أو جار أو موظف أو صديق أو مواطن أو عابر منام .... الخ، في أفعالهم سجن صيديانا الذي يعتقدون أنّه لا يعنيهم ولا يشبه دواخلهم وبعيدون عن أن يكونوا قادرين على فعل ما فعله الذين كانوا عبيدا مأمورين فيه. هم العبيد المأمورون من سيّدهم إبليس وسادتهم الأهواء.
يعتقدون أنّهم أنظف من آل الأسد.
هم أبناء آوى الضّ.با.ع المسعورة التي ابتُلي بها النّورانيون والطّيبون وأصحاب القلوب البيضاء والنّوايا السّليمة والوجوه الخالصة للّه، أولئك الذين يحارب بهم الشّ.يطان شعاع النّور حيثما بزغ، ليجعلوا من حياتهم جحيما ومرارات.
ألا لنعة الله على القوم الظّالمين أينما كانوا،{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق