عنوان يصف حالة يعيشها كثير من الناس دون ان ينتبهوا الى ما تفعله بهم الضغوط اليومية حين تتحول النظرات الى مرآة تعكس ارهاق الروح قبل ارهاق الجسد وتصبح الاعين شاهدة على ما يدور في الداخل من صراعات خفية لا يراها احد لكنها تترك اثرها في كل لحظة تمر وكأنها توقظنا كل ليلة لتذكرنا بما نحاول الهروب منه طوال النهار
في زمن يتسارع فيه كل شيء تبدو الصحة النفسية اهم من اي وقت مضى فالعين التي لا تنام ليست مجرد عين تتبع الضوء او تبحث عن طريق بل هي عين مثقلة بافكار لا تهدأ وتخوفات لا تنتهي وذكريات تفرض وجودها حتى عندما نرفض استقبالها وتحاول ان تجد لنفسها مخرجا في منتصف الليل حين يهدأ كل شيء من حولنا ويعلو صوت الداخل على كل الاصوات
يدخل الانسان في دوامة من القلق وهو يظن انها مجرد ليلة سيئة لكن الامر ابعد من ذلك لان العقل حين يرهق يرسل اشاراته الى الجسد فينعكس ذلك على الطريقة التي نرى بها العالم وتصبح التفاصيل الصغيرة مصدرا للانزعاج لكن ما يبدو للآخرين بسيطا قد يكون بالنسبة لك معركة كاملة تخوضها وحدك دون ان تنطق بكلمة لان الخوف من الحكم اقوى من القدرة على البوح
في تلك اللحظات تتحول العيون الى صفحات تكتب عليها قصة التعب الذي لا يراه غيرك قصة صراع بين ما تريد ان تكونه وما تفرضه الحياة عليك وبين ما تتمنى ان يحدث وما يحدث فعلا وكلما طال الانكار صعب العلاج وكلما اختبأنا خلف ابتسامة مزيفة ازدادت الاعباء التي نحملها دون ان نشعر
العين التي لا تنام تعرف تفاصيل موجعة لكنها ايضا تعرف طريق الشفاء لان الوعي هو البداية حين تدرك انك لا تحتاج الى ان تكون مثاليا وان الخطأ ليس نهاية العالم وان التعب ليس ضعفا بل اشارة تحتاج الى ان تسمعها وتتوقف معها قليلا كي تستعيد قدرتك على مواجهة الحياة من جديد بخفة اقل وصدق اكبر
نحن نحتاج احيانا الى ان نعترف لانفسنا قبل الآخرين باننا لسنا بخير وان الايام اصبحت اثقل مما نحتمل وان قلوبنا تبحث عن فسحة امان نضع فيها مخاوفنا دون ان نخشى الانكسار وحين يحدث ذلك يبدأ الضوء في العودة ولو ببطء لان النفس مثل الزجاج الشفاف تحتاج الى من ينفض عنها غبار الاحداث لتعود صافية كما كانت
العين التي لا تنام تنتظر لحظة يرتاح فيها العقل وتبرد فيها العاطفة ويتوازن فيها القلب مع الواقع وكأنها تقول لك ان الوقت قد حان لتمنح نفسك ما تمنحه للآخرين من دعم واهتمام وان تتوقف عن محاسبة ذاتك على كل تفصيلة صغيرة وتسمح لها بالتنفس من جديد
وفي النهاية تبقى الصحة النفسية رحلة طويلة لا تنتهي لكنها رحلة تستحق كل خطوة فيها لانها تعيدك الى نفسك وتمنحك القدرة على رؤية العالم بوضوح وتساعدك على النوم بعين مطمئنة بعد ليال كثيرة من السهر والتعب وتجعلك تدرك ان الحياة مهما كانت صعبة فهي تحتمل حين نحتوي انفسنا وتحتوي عيوننا احلاما جديدة بدلا من الارق الذي كان يشغلها
وهكذا يصبح عنوان عيون لا تنام ليس وصفا لحالة بقدر ما هو دعوة للتأمل ودعوة للراحة ودعوة للعودة الى الداخل كي نسمع ما تخبرنا به انفسنا قبل ان تصرخ عيوننا المتعبة بما لم نعد نقدر على تجاهله لان الشفاء يبدأ من نظرة صادقة ومن لحظة نعترف فيها باننا نحتاج الى السلام اكثر من اي شيء آخر
