"لا تكن كمنبّه اللّوه" هذه العبارة هي مثل عربي معروف مازال متداولا في بعض البلاد العربية على غرار الكويت، ويضرب للنهي عن إشاعة الأخبار التي لا طائل منها بل في أغلب الأحيان تفتح أبوابا للشر؛ واللوه هو طائر بحري يُعرف ببلادته وبطء حركته، لكن المأساة لا تكمن فيه، بل في ذلك "المنبه"؛ طائر آخر يظن نفسه وصيا، فيشرع بالصراخ والعويل بمجرد اقتراب خطر ما.
المفارقة هنا هي "الخدمة الكارثية"؛ فبينما يظن المنبه أنه ينقذ اللوه، فإن صراخه المزعج هو الذي يدل المفترس على مكان الفريسة الصامتة. وبالمثل، فإن حركة اللوه حين يفزع تنشر ما يعلق بجسده من طفيليات وقمل إلى محيطه، فتتحول "النصيحة" إلى عدوى، و"التنبيه" إلى فخ مميت.
إن إسقاط هذا المثل على واقعنا الرقمي اليوم يكشف لنا أن "منبه اللوه" يعيش بيننا في صورة ناشري التفاهة، وتتجلى خطورتهم في تضليل بوصلة الأخبار التافهة والاشاعات غير المدروسة التي تعمل ضجيجا يحجب الرؤية عن القضايا المصيرية الجلل. حين ننشغل بتفاهة عابرة، نحن في الحقيقة ندل "المفترِسات" الاجتماعية والسياسية على ثغراتنا، ونمنح المشاكل الحقيقية فرصة لتلتهمنا ونحن غافلون.
كما ينشر اللوه طفيلياته عند الحركة، تنشر الأخبار التافهة طفيليات العقول وهي: السطحية، سرعة التصديق، وتدني لغة الحوار. هذا النوع من المحتوى يفسد الذوق العام ويجعل المجتمع بيئة خصبة للجهل.
ونشر أخبار التافهين، ولو من باب السخرية منهم، يمنحهم الشرعية والانتشار. فأنت هنا تلعب دور المنبه الذي يصرخ فوق رأس اللوه، فتجعل العالم كله يلتفت إليه بدلا من تجاهله حتى يموت أثره.
و تشير الدراسات إلى أن الدماغ البشري يميل لاستهلاك الأخبار الفاقعة والتافهة لأنها تعطي شعورا زائفا بالإثارة دون بذل مجهود ذهني. وهذا ما يسميه النقاد "مخدرات الشعوب الرقمية".
ولو عدنا إلى شريعتنا الإسلامية لوجدنا أن نشر الأخبار دون التثبت منها والثرثرة وإشاعة الفواحش من أعظم المنكرات التي نهانا عنها الشارع الحكيم؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"، وفي رواية "إثما". وهذا دليل قاطع على أن مجرد "النقل" دون تثبت أو فائدة هو خطيئة اجتماعية وأخلاقية تقتضي المحاسبة والعقاب.
من دواعي الأسف أن مأساة منبه اللوه تتكرر كلما ضغطنا على زر "مشاركة" لخبر لا ينفع، أو مقطع يكرس السطحية. إننا بذلك لا ننبه أحدا، بل نلوث الفضاء العام ونستدعي المفترسين لعقولنا وقيمنا، فهل يسأل أحدنا نفسه قبل أن يكون منبها، عن جدوى ما يرغب في تداوله من أخبار ؟ هل سيجعل هذا الخبر العالم مكانا أفضل؟ أم أن نشره لن يؤدي إلا لموت الفريسة وانتشار العدوى؟
لا تكن كمنبه اللّوه..بقلم الأستاذة/ آمنة تباني
تعليقات
