الأستاذة نزهة صفي..تكتب: العاشر من دجنبر مناسبة لتجديد العهد بحماية الكرامة الإنسانية

يخلد العالم، في العاشر من دجنبر من كل عام اليوم العالمي لحقوق الإنسان ؛ احتفاء بالقيم والمبادئ التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، وما يحمله من تأكيد راسخ على كونية الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة أو الانتقاص. وتمثل هذه المناسبة محطة دولية بارزة للوقوف عند ما تحقق من مكتسبات، وما يواجهه العالم من تحديات تستدعي تعزيز الجهود من أجل صون الكرامة الإنسانية وترسيخ مبادئ الحرية والمساواة والعدالة.

ويأتي هذا اليوم ليجدد التأكيد على أن حقوق الإنسان ليست مجرد مضامين قانونية أو شعارات خطابية، بل هي التزام يومي يتطلب تفعيل آليات الحماية، وضمان تكافؤ الفرص، وتوفير الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة والشغل والعدالة الاجتماعية، إلى جانب احترام التنوع الثقافي والاجتماعي باعتباره عنصر قوة في بناء المجتمعات.
لقد سبق الإسلام في التأكيد على احترام الإنسان وحقوقه ، فقد كرم الإنسان منذ لحظة ولادته، وضمن له حق الحياة والكرامة، وحمــله المسؤولية والحرية في الاختيار ضمن إطار العدالة.  كما جاء في قوله جل جلاله في سورة الإسراء الآية 70: (و لقد كرمنا بني آدم).
 كما نصت التعاليم الإسلامية على حماية حقوق المرأة والطفل والفئات الهشة، وعلى تجريم الاعتداء على الآخرين والتمييز بينهم، مع التأكيد على المساواة بين كل الناس، بغض النظر عن العرق أو اللون أو المستوى الاجتماعي، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13).. وقد رسخ الإسلام قيم العدالة والمساواة والرحمة كأساس لبناء مجتمع متماسك يحفظ كرامة أفراده ويصون حقوقهم، مما يجعله  من أهم الشرائع الدينية السباقة في الاهتمام بحقوق الإنسان. يقول تعالى في سورة الروم الآية 21 (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون).
وعلى المستوى الوطني، قطع المغرب أشواطا مهمة في مسار ترسيخ منظومة حقوق الإنسان، من خلال إصلاحات مؤسساتية وتشريعية بارزة، شملت إطلاق هيئة الإنصاف والمصالحة كخطوة نوعية في طي صفحات الانتهاكات الجسيمة، وتعزيز أدوار المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإصلاح منظومة القضاء، إلى جانب إدماج الحقوق والحريات في دستور 2011 الذي شكل نقلة نوعية في الاعتراف بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .كما واصل المغرب تنزيل برامج لحماية الفئات الهشة، وتطوير السياسات العمومية ذات البعد الحقوقي، وتقوية أدوار المجتمع المدني كشريك في نشر ثقافة الحقوق وترسيخ قيم المواطنة. ورغم التحديات التي لا تزال قائمة، فإن الدينامية الوطنية في مجال الإصلاح تعكس إرادة ثابتة للمضي قدما نحو تعزيز دولة الحق والقانون.و مع ذلك يعتبر هذا اليوم أيضا  مناسبة لتسليط الضوء على الاختلالات و الثغرات و كذا على  بعض مظاهر التضييق على حرية التعبير و أوضاع الفئات الهشة كالأشخاص في وضعية إعاقة .
وفي ظل عالم يشهد تحولات متسارعة وتحديات متزايدة، يظل الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان مناسبة لتجديد الالتزام الجماعي، دوليا ووطنيا، بترسيخ قيم الحقوق والحريات، وتطوير سياسات أكثر عدالة وإنصافا، بما يضمن كرامة الإنسان، ويحافظ على استقرار المجتمعات ويعزز مسارات التنمية المستدامة.

تعليقات