يخلد العالم في 25 نونبر من كل سنة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد النساء، و الذي يستمر الى غاية 10 دجنبر الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الانسان (16 يوما من الأنشطة التوعوية التحسيسية في مختلف دول للعالم لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي)و لقد كان الإسلام سباقا في تكريم المرأة حيث أعطاها حقوقها كاملة منها المادية و الاجتماعية و المعنوية ، و حررها من عبوديتها للرجال. و أوصى بالرفق بها ، و نهى عن تعنيفها و إلحاق الضرر بها،و راعى خصائصها و الفرق بينها و بين الرجل و جعل بينهما المودة و الرحمة و الاحترام المتبادل ، مصداقا لقوله تعالى : ( و عاشروهن بالمعروف )، كما ان الرسول صلى الله عليه و سلم حرص على صيانة كرامة المرأة حيث قال : (استوصوا بالنساء خيرا)....
فلا يمكن تصور أبشع صور العنف ضد المرأة في مجتمع إسلامي يخالف قواعد الشريعة الإسلامية التي تنص على الرحمة و العدل
و هنا نجد ان الإسلام سبق العالم في ترسيخ هذا المفهوم و هو كرامة المرأة التي هي شريك مهم لبناء الأوطان و دورها في التنمية و السلام، لا يقل عن دور الرجل.
يعتبر العنف ضد النساء أحد أخطر الانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان، ويشكل تحديا مجتمعيا وقضائيا وأخلاقيا في الوقت نفسه. فهو لا يؤثر فقط على النساء والفتيات، بل يترك آثارا عميقة على الأسرة والمجتمع بأسره.في كل يوم، تتعرض نساء حول العالم لأشكال متعددة من العنف، قد تكون جسدية، نفسية، اقتصادية، أو حتى رقمية. تأثر سلبا على الصحة النفسية والجسدية لكل ضحية. والعنف ضد النساء من أخطر الظواهر التي تهدد الحقوق الإنسانية والمجتمعية و من أوسع انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا و استفحالا في العالم بأسره، و هو يتجاوز حدود الجسد، ليشمل النفس والحرية والكرامة والاقتصاد، وهو كذلك مؤشر على قصور في القيم المجتمعية والتشريعات وعدم كفاية برامج التوعية.
و لفهم عمق هذه الأزمة، من المهم التوقف عند الأنواع المتعددة للعنف التي تتعرض لها النساء:
1. العنف الجسدي
يشمل الضرب، الحرق، الخنق، أو أي طرق إيذاء بدني، تستعمل فيها أدوات لإيذاء الآخرين،.
2. العنف النفسي أو المعنوي
يتشكل من الإهانة، التهديد، التحقير، الحرمان من الحرية في اتخاذ القرارات، أو الضغط النفسي المستمر. هذا النوع هو الأكثر هدوءا لكنه يترك ندوبا نفسية عميقة.
3. العنف الاقتصادي
عندما يتمنع الضحية من العمل، أو تحرم من مواردها المالية، أو تجبر على الاعتماد الكلي على الطرف الآخر. هذا النوع من العنف يضعف استقلال المرأة ويجعلها أكثر عرضة لبقية أشكال العنف.
4. العنف الجنسي
يشمل التحرش، الاعتداء الجنسي، اغتصاب الزوج أو غيره، والزواج القسري. إنه انتهاك مباشر لكرامة المرأة وحقها في الجسد.
5. العنف الرقمي:
مع انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل، ظهر نوع حديث من العنف – مثل الترهيب عبر الإنترنت، نشر الصور الخاصة دون موافقة، التحرش، التنمر الإلكتروني أو التهديد الرقمي،و الابتزاز الجنسي او المالي،وقد أظهرت دراسات حديثة أن هذا النوع يضر صاحبه نفسيا كثيرا، خاصة لدى النساء الشابات.
في المغرب، تعتبر محاربة العنف ضد النساء قضية وطنية مهمة، وقد تم اتخاذ خطوات تشريعية ومؤسساتية ملموسة من أجل التصدي لهذه الظاهرة.
دخل القانون رقم 103.13 الذي يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، حيز التنفيذ في شهر شتنبر 2018، هذا القانون يهدف الى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف ، و ذلك بصدور مجموعة من الأحكام القضائية التي تعاقب على كل أنواع العنف ضد النساء، مثل الحبس والغرامات الثقيلة عند ارتكاب أفعال عنف معينة، خاصة إذا كانت الضحية امرأة أو في وضعية هشة.
فتقييم وتطبيق هذا القانون 103.13 يطرح تحديات لوجود ثغرات قانونية وتنظيمية وعملية عند تطبيق بعض بنوده، حيث يفتقر الى تدابير حمائية فعالة للمرأة المعنفة. مما استدعى نقاشات برلمانية في مجلس النواب بدعم من مجلس أوروبا ، لتبادل الخبرات
و تقديم مقترحات لتحسينه. كما تم تطوير دليل تعهد قانوني عملي خاص بالنساء ضحايا العنف، و توفير الحماية القانونية لهن بالإضافة الى تحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين في المغرب ، الذي يؤكده دستور 2011 و النموذج التنموي الجديد.
فالعنف ضد النساء ليس مجرد قضية شخصية، بل أزمة مجتمعية تتطلب تضافر جهود الجميع. من خلال التوعية، التشريع، الدعم النفسي، والتمكين الاقتصادي، لبناء مجتمع يحترم المرأة ويكفل لها الأمان، و الكرامة، والمساواة الحقيقية.و في المغرب، ومع استمرار تطبيق القانون 103.13 وتعزيز الدعم المجتمعي، يمكن أن تتحول الحقوق النظرية إلى واقع ملموس، وتصبح حماية النساء أولوية وطنية وممارسة يومية للجميع.
