في ذلك اليوم البارد ، جلس الأب و الأم في قاعة الانتظار بأحد المستشفيات . كانت الأم تكفكف دمعها و هي تحاول التظاهر بالتماسك و القوة ، في الوقت الذي ظل فيه الأب مطئطئا رأسه في الأرض ، ساكتا لا ينطق بكلمة . كانت الصغيرة ذات الثلاث سنوات بغرفة العمليات ، كان جسدها الصغير بين يدي الاطباء ، يحاولون إصلاح عيب خلقي في قلبها الصغير ، فقد ساءت حالتها الصحية ، وأنهكها المرض فقد كان قلبها عاجزا عن القيام بمهمته على أكمل وجه ، و لم يكن ينفع معها أي علاج سوى أن تخضع لعملية جراحية معقدة ، استسلم الوالدان للأمر الواقع ، فقد كانت طفلتهما الوحيدة و كان من الضروري أن يبذلا بعض الجهد ، و يتحملا بعض الألم ، على أن تعاني الطفلة طوال حياتها . كانت العملية تتطلب ساعات طويلة ، و رفض الوالدان مغادرة المكان الى أن يطمئنا على فلذة كبدهما الوحيدة .
قوي ذلك الحب الذي يزرعه الخالق في قلب كل أب و أم . معجزة لا يفهمها إلا من جرب الأبوة أو الأمومة، حينما تتمنى أن ينتقل كل ألم من طفلك إليك ، بدل أن تراه يتألم و أنت عاجز كأب أو أم عن التخفيف منه ، لكن العجز عن فعل ذلك يجعلنا ضعفاء مغلوبين ، ننتظر الفرج من الخالق . و هكذا ظل الوالدان المسكينان مكانهما ، رافضين مغادرة المستشفى لأجل النوم و الراحة ، فقد رفضا و بشدة ، مع أن بقاءهما هناك لم يكن يجدي نفعا في شيء . لكن إصرارهما ، جعل الأطباء يشفقون عليهما و استسلموا لرغبتهم في أن يبقوا في الانتظار إلى حين انتهاء العملية . و انتهت العملية بعد ساعات طويلة . و عجت قاعة الانتظار بأهل الصغيرة ، من أعمام و أخوال و جد و جدة . و خرج الأطباء من القاعة منهكين ، في الوقت الذي هرع فيه الأب إليهم يطلب أخبار صغيرته التي نقلت إلى غرفة الإنعاش . يقوم الأطباء دائما بواجبهم لكنهم لا يضمنون شيئا ، فكله بيد الله سبحانه . وهكذا وافق الأب و الأم تحت إصرار الأهل بعدما اطمأنوا على الطفلة من نافذة غرفتها الزجاجية ، كانت تنام كملاك صغير ، و أجهزة كثيرة مركبة لأجل ضبط الوظائف الحيوية لجسدها الصغير البريء . و مر اليوم الأول و الثاني و هكذا ، إلى أن استقرت حالتها الصحية . و بعد أيام قليلة ، تم نقل الطفلة إلى غرفتها حيث تكمل العلاج قبل أن تخرج نهائيا من المستشفى و قد تم إنقاذها مما كانت تعاني منه . و بدأت حالتها في التحسن ، و تم السماح لأهلها بالاطمئنان عليها ، و كانت غرفتها تعج بأحبتها الذين لم يدخروا جهدا في دعم والديها ، و الدعاء لها و السعي لإسعادها . و في اليوم الثاني لمغادرتها غرفة الإنعاش ، جاء الطبيب لأجل الاطمئنان عليها ، طلبت الصغيرة من الطبيب أن تنزل من سريرها و تمشي بضع خطوات ، لم يرفض لها طلبا لكنه كان مستغربا ، فلم يمض وقت كاف كي تقوم بذلك ، لكنها كانت مصرة . سألها باستغراب عن طلبها فأجابته بكل عفوية و حماس :
أريد أن أجرب حذائي الجديد ، حذاء " هلاو كيتي"
نزلت بكل هدوء و مشت بخطوات ثابتة تجرب ذلك الحذاء الذي أغرمت به و الذي قدم لها كهدية من أحد أخوالها . انبهر الجميع من عزيمتها و إصرارها على الحياة و عيش الفرحة البسيطة التي كانت تعني لها الكثير . ينسى الصغار ألمهم بكل سهولة ، و لا يؤمنون بالتحديات ، هم دائما على استعداد لعيش الفرح و السعادة.
