ليس هناك وحدة..دكتورة نجية الشياظمي


أستغرب كثيرا حينما أسمع الكثير من الناس يشتكون من الوحدة ، فأتساءل كيف لنا في وسط هذا الضجيج الديموغرافي و التكنولوجي أن نحس بالوحدة ؟ ربما كان هذا قديما حينما كانت الأسر مرتبطة مترابطة ببعضها البعض ، تسكن في بيت واحد ، تأكل على مائدة واحدة ، تسهر على تلفزيون واحد ، و ربما تقرأ نفس الكتاب . لكننا الآن و في هذا الزمن  قد يكون ابتعادنا بمجرد انفصالنا عن أمهاتنا بقطع ما كان يربطنا بهن ، بقطع الحبل السري ، كل يمشي في طريقه بعد بضع سنوات من الاحتضان الأسري الذي عشناه معهم ، نقوم بذلك و نحن واعون بمدى ما علينا نتحمله من مسؤولية ، سواء داخل البيت أو خارجه ، فقد كنا نهيٓأ لذلك منذ طفولتنا عكس ما يحصل في هذه الأيام  مع شباب اليوم . و مع ذلك لم نكن نحس بأي وحدة فقد كانت انشغالاتنا لا تترك لنا مجالا حتى لمجرد التفكير في ذلك ، كان استعمالنا الزمني مكتظا ، و حتى الناس الذي كبروا كأجدادنا و جداتنا كانوا يقضون أياهم في العمل بالحقول كرجال ، لكن كنساء إلى جانب العمل بالحقول، كن منشغلات بالنسيج و الحياكة . لم يكن هناك وقت للتفكير في الوحدة ، و حتى من كان يعجز عن القيام بأي عمل، كان يمضي وقته بين أبنائه و أحفاده و جيرانه . هكذا كانت الحياة خالية من العديد من الأحاسيس و المشاكل التي نشتكي منها حاليا ، من وحدة و اكتئاب و اغتراب و غيرها من المشاكل النفسية  التي لم يكن لها وجود وقتها ، و التي أصبحنا لا نحس بها إلا نتيجة للفراغ الذي قد نعيشه لأي سبب من الأسباب . فالفراغ له أسباب عديدة ، اختيارية و غير اختيارية ، لكنها في أغلب الأحيان تكون اختيارية و بوعينا و رضانا . أحيانا نكون نحن من نزرع الوحدة و الوحشة ، في حياتنا حينما نتركها فارغة من أي معنى يكون سببا لسعادتنا .
و من قال أن الوحدة تأتينا من فراغ الأماكن أو الأوقات فقط ؟ لم لا تكون إحساسا نابعا من أعماقنا ، من وحدتنا الداخلية ، حينما لا نستأنس بأنفسنا و بخالقنا . حينما يكون لدينا فراغ داخلي كبير نود ملأه بأي شيء ، و حينما يكون كل شيء لا يكفي لملإ ذلك الفراغ ، نشتكي من الوحشة و الوحدة ، و نشتكي من الزمن و من الأهل و الأصدقاء .
الوحدة إحساس داخلي برغم الضجيج الخارجي ، هكذا نحس أننا نحتاج الى حشود و حشود كي يشغلونا عما بدواخلنا من صراعات و تناقضات . تصالحنا مع ذواتنا و فض خلافاتنا الداخلية  ، هو وحده الكفيل بأن يعيد لنا إحساس الأنس و الأمن و الأمان .
تعليقات