العمة حنان..بقلم المبدعة التونسية/ بسمة الطهاري

 على حنان أن تصدق بعد سنوات كثيرة فشل فيها البشر والطبيعة والمواقف في إقناعها أنها لم تعد بعد تلك الطفلة العنيدة المدللة ولا تلك الشابة اليافعة الهيفاء التي تدور لحضورها رقاب الرجال وتشتعل عيون الصبايا غيرة من حسنها...
عليها أن تصدق تلك الفتاة المراهقة وهي تناديها اليوم من بين جلبة السوق وأصوات الباعة :يا عمتي لقد وقع منك هذا ...
لقد تسمرت طويلا بمكانها ملتفتة ذات اليمين وذات الشمال وكأننا تبحث مع الفتاة عن صاحبة الورقة التقدية ذات العشر دنانير لكن الفتاة أنقذتها من دهشتها ودست الورقة بيدها ،كم رغبت أن تناديها وتنهرها وتؤكد لها بأنها ليست عمتها وليست صاحبة الورقة النقدية لكن قلبها أجهش بالبكاء وبدأ يصدق الحقيقة.
عليها أن تصدق ذاك الفتى وهي تقف في طابور البنك حين ترك لها مكانه وابتسم لها بلطف، كم كانت ابتسامته عريضة وكم كانت أسنانه لامعة مستفزة هذا الفتى الأرعن فقد ظن أن الوقوف أرهقها طويلا. ٠ وهل تتعب النساء إلى هذا الحد عند بلوغهن الأربعين!
لملمت شنات أفكارها وبعضا من وشاحها الأسود وهو يحاول خيانتها فأحكمت وضعه وربتت عليه بلطف من جميع الأطراف تتاكد من بقاءه فوق رأسها مثلما تفعل خالتها مفيدة، لعل جل نساء عائلتها يحكمن ربط الوشاح خوفا من مغبة سقوطه ويتوجسن خيفة من ظهور بعضا من شعرهن، لقد اكدن لها طويلا أن الشعر لابد أن يخفى كما تخفى النفائس من الكنوز وكما تخفى المسروقات والفضائح والمكائد وقد أخفت كل الكنز تحت السواد كما تختفى أسماق النخيل المتعثكلة تحت ظلام ليل بهيم. تسارعت خطواتها وهي تصعد سلم العمارة التي تسكنها وقد تصبب جبينها عرقا فإذا بجارها الطاعن بالسن يخاطبها ضاحكا: شبيك تلهث؟ ياخي كبرت؟
رفعت اليه عينين ضاحكتين لكنهما منافقتين يحملان كل أشكال الكره والحنق وبادلته ابتسامة عذبة لكنها محملة بكل شر الشياطين وكذبهم....
إن قلبها يبكي ،تكاد تسمع شهقاته ولعله يريد أن ينوح نواحا مرا يشبه نواح الخنساء على اخيها صخر، تريد أن ترثي كل شبابها وجمالها ودلالها الآن ، لكنه أنقذها من كل ذلك قبل أن تفتح باب منزلها، استوقفها بلطف فنظرت إليه بمضض تسأله عن حاجته فقال متلعثما: انا نيتي صادقة والله حبيت نسألك مخطوبة ولا لا ؟؟
تهللت أسارير روحها المكلومة سرا لكنها رمقته بنظرة حادة قائلة: احشم على روحك راني قد عمتك...

بقلم/ بسمة الطهاري
من ( كان وأخواتها )
تعليقات