"بانت سعادُ" وبانت بعدها أُمَمُ
وفي الجوانحِ جُرحٌ ليس يلتئِمُ
يا سيِّدي، بِي ظلامٌ كاد يَخنقُني
وملحُ دمعي على أعتابِكم نَدِمُ
أنَّى اتّجهتُ، وجَدتُ العُمرَ مغتربًا
إلّا إليكَ، فحضنُ المصطفى رحِمُ
ناديتُ باسمِكَ، فارتدَّ الصدى قبسًا
نورًا نبيًا، وما كلُّ الصدى عَمَمُ
لو كانَ يُفنِي المُحبَّ الشَّوقُ ما بقيتْ
إلّا عيوني على أستارِكم، وُشِموا
في كَفِّ بُعدي رمَادُ الروحِ مُنطفِئٌ
لكنَّ شوقي، ونجواكُمْ .. هما الضَّرَمُ
هذا فؤادي قِفارٌ لا يُظلِّلُهُا
إلّا حنينٌ لهُ -في حُبِّكمْ- حُرَمُ
أدنو فتبعدُ عني الآهُ ما اقتربتْ
وأستعيدُ ثباتًا .. كلُّه هِمَمُ
أمسَكتُ ذِكرَكَ في كَفِّي؛ فأنقَذَني
فالخيرُ ذِكرُكَ يا مَولايَ والكَرَمُ
ما زلتُ أقرأُ وَجهَ النُّورِ في سَحَري
وفي نسائمِ فجري .. كلّما نسَموا
مُذْ غبتَ عنّا، غَفَونا عن مَكانَتِنا
وبُدِّلَ النُّورُ، جاءَ الوَهْمُ والوَهَمُ
تفرَّقتْ أمّتي، والجرحُ يعصفُها
لا الحلمُ يجمعُها، لا الصبرُ، لا الحِكَمُ
هانت على أنفسِ الأحرارِ عزّتُهم
واستَوطَنَ الذُّلُّ أرواحًا بها شِيمُ
هانت، وهانت
-وربي- لم يَعُدْ ...
لأبي بكرٍ صدىً،
لِعليٍّ خاطرٌ ودَمُ
كم صار سيفُ الهوَى في الحكمِ رايتَنا
والحقُّ بين ذوي الأهواءِ منهزمُ
باعوا المكارمَ في الأسواقِ عن غَرَرٍ
مظنّةً أنهم في بيعهم غنمُوا
يا سيّدي، والرَّدَى في الأرضِ مُنتشِرٌ
والّليلُ طالَ، فلا نجمٌ ولا عَلَمُ
أنا الذي ضِعتُ بينَ الأمسِ في بَلَدِي
وبينَ يومٍ .. غَدَا بالقهرِ يَنصرمُ
وها وقفتُ، ولم تُبقِ الرِّياحُ معي
إلّا حنينًا، بهِ الآمالُ تَرتَسِمُ
في كلِّ دربٍ، إذا ناديتُ مُعتَصِمًا
رَدَّ الصَّدى تعِبًا .. قد مات مُعتصِمُ
يا سيّدي، فِئتُ والدنيا تُمزِّقُني
والرُّوحُ تائهةٌ، والشَّيبُ مُضطرِمُ
يا سيّدي، ليست الدنيا لذي سِيَرٍ
إلّا لمن سار سَيْرًا .. سَمتُهُ الشّمَمُ
إنِّي سَئِمتُ دروبَ اليأسِ في كَلِمي
وضاقَ بالصَّمتِ صوتي، وانبرى القلَمُ
ذكرتُكَ الآن، كي تُجلَى عُرَى نَفَسي
يا كُثر ما شَدَّها الإبلاسُ والنَّقمُ
لو لَمْ تكنْ أنتَ، مَن للروحِ يُنقِذُها؟
مَن للسقيمِ إذا ما استفحشَ السَّقَمُ؟
إنْ ضاقَ بي خاطري، مُدّت مَحَبَّتُكمْ
حتّى كأنَّ قروحَ القلبِ تَلتَئِمُ
أنا الفقيرُ، وأنتَ الذّخرُ إن غفلتْ
عني الحياةُ، وضاقَ العيشُ والعدمُ
أدنو إليكَ، ولا يدنو إليكَ سوى
قلبٍ إذا ذُكرَتْ سيماك يَلتَزِمُ
يا خيرَ هادٍ، بذكراك انجلى كَمَدى
فِداك نفسي، ومَن بالقلبِ .. كُلُّهمو
صلّى عليكَ إلهُ العرشِ في أَبَدٍ
ما لاحَ في الخافقَينِ النُّورُ والغَمَمُ
قصيدة/حنين إلى النور
الشاعرة/دكتورة دعاء رخا
من ديوان/ #كأصابع_البحر