.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

دبيب..قصة قصيرة بقلم الأديب/زكريا صبح

لدبيب الاقدام بصمة ، قلت ذلك فى نفسى وانا ارهف السمع لهاتين القدمين اللتين تضربان بعكبيهما فوق ارضية الممر الضيق الذى يربط حجرتى بالصالة الواسعة ، ممر ضيق تنفتح عليه ابواب حجرات ثلاث.
فى عزلتى الانفرادية لم يعد من وسيلة اتصال مع العالم الا تمييز الاشخاص بدبيب اقدامهم
هذه الضربات القاسية للفتاة الوسطى ، اعرف توترها ، تعبر عن غضبها من شيئ ما بخطوات متسارعة وضربات حادة تحدث ايقاعا يستقر فى اذنى كنقر على دف يستفز هدوئى
وهذا دبيب قدمين تجريان ثم تقفان ثم تجريان ثم تقفان ، انه ولدى يعدو خلف قطه ، ينتابه الملل من السكون الذى اسدل ردائه على البيت ، فلا يجد الا صديقه الذى يبادله لعبا بلعب
يزداد توترى خوفا عليه ،تترائى لى صور حوادثه السابقة التى كادت تودى به ، وددت لو ناديته وامرته ان يكف عن ذلك ..لكن كيف وبابى موصد دونهم ؟ وكيف وانا بلا صوت وهم بلا اذان ؟
اظل منتبها لمعرفة ما يجرى حولى ، صرير الابواب يسبق دبيب الاقدام ، زمجرة مقبض الباب قبل فتحه يشير الى حجرة اطفالى ، تتشبث الصغرى به تحاول فتحه ، اتوقع خروجها لحظة بعد اخرى ، ارسم لدبيب قدميها صورة تشبه الى حد ما خطوات القط عندما يكون متكاسلا ، يبحث عن شيئ يأكله او احد يلاعبه ، دبيب قدميها النحيلتين يخطف قلبى لكن عجزى عن الحركة يحول بينى وبين حضنها الذى كان يرد روحى ، عائلة اصابها البكم ، لم اعد اسمع لهم صوتا ، بعد ان كان الصخب ايقاعهم المزعج ، يخرجون من حجراتهم كلصوص يخشون الايقاع بهم او كاعداء لا يطيقون النظر لبعضهم ، جميعنا اصبح يتحاور عبر صوت الدبيب او صوت الصرير ، يظل احدنا منتظرا عودة الاخر من المطبخ او خروجه من الحمام ، كلنا اصبح يعرف بصمة القدم وكلنا يميز الاخر من صوت صرير بابه
اما صفق الابواب فله شأن اخر ،فهاهى ساكنة الحجرة التالية لحجرة الاطفال حيث ترسل رسالة غضب نارية بدبيب قدميها الذى يشبه ضربات مطرقة ، يؤدى الى سقوط اشياء فى طريقها ، اتخيلها مثل قاطرة هوجاء ستدهس من تقابله ، كانت الى وقت قريب تنطق مثلما كنا ، لكنها وبعد وقت ليس طويلا اصبحت تؤدى واجباتها فى صمت اعرف انها بالمطبخ من حديث الانية وصراخ الاكواب بين يديها اثناء غسيلها ، واعرف انها انتهت من عملها عندما اسمع تكتكات الولاعة الكهربية ، صوت ارتطام براد الشاى بسطح البوتجاز ثم صوت ملعقة الشاى وهى تتخبط فى جنبات الكوب انكمش فى سريرى ، اتلمس كوب الماء ، ارفعه الى شفتي المرتعشتين ، ربما اطفأ الماء بعض ارتعابى
متى صارت لغة الحوار وقع اقدام او صرير ابواب او سقوط اشياء او صراخ اوانى
وحده مواء القط الذى يشجينى ، يظل مناديا على ،باحثا عنى ، بصعوبة احاول الوصول الى مقبض الباب ، افتح له ، يحفنى بجسده الناعم ، قبل العودة الى سريرى اتلمس فراشى ، اجده سبقنى ، موائه الذى لا يتوقف يعنى حاجته للطعام ، يقف الى جوار الباب محاولا لفت انتباهى ، كنت فى السابق اتبعه حتى يصل الى مكان طعامه فأجد طبقه فارغا ، اضع له شيئا يأكله فيكف عن موائه ، الان اقف عاجزا ، فلا انا قادر على اللحاق به ولا هو يعرف اننى اخترت ان اكون منفيا باراداتى ، موقف سلبى لم اجد غيره اعلن به رفضى حديث الصمت الدائر بيننا ، شلل ارادى فرضته على نفسى اعتراضا على الحياة التى تعلن عن نفسها عبر اضواء الهاتف الزرقاء ، القط يمضى فلا املك الا متابعة دبيب اقدامه الخرساء ، وحده هو الذى صار يؤنس وحشتى
اعود الى فراشى مرهفا سمعى لدبيب اقدامهم وصرير ابوابهم وصوت استقرار خرير الشاى النازل من صنبور البراد الى قاع الكوب ، تتعلق عيناى بالممر الضيق عل احدهم يأتينى بكوب شاى دافئ استدفئ به من برودة يرتعش لها جسدى رغم ان العرق ينز من جبهتىات:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق