.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

الفأس والفلاح..قصة قصيرة بقلم د/ محمد عبد الرحمن موسى

تربى فى أسرة كريمة يتمتع كل أفرادها بالأخلاق، وتعلم منذ الصغر بأن كل شيء في هذه الدنيا لا قيمه له بدون أخلاق، لذلك كان بين زملائه شخصية محترمه تتمتع بثقة الجميع، وفي عمله بعد أن كبر كان مثالاً لكل ما يحبه أي إنسان، كل هذه السلوكيات إنعكست على تعامله في عمله مع الجميع، وأصبح محل ثقة ويأخذ زملائه رأيه دائماً حتى في الأمور الشخصية، وكان من بين زملائه زميلة باهرة الانوثه والجمال، ويصبح الجمال خطراً مدمراً إذا شعرت صاحبته أنها جميلة وتتعالى بجمالها، ويجب أن يعاملها الأخرين على أساس تميزها بالجمال أكثر من غيرها، كانت تشعر أن جمالها يميزها على جميع النساء المتواجدات معها في العمل، لذلك تعودت من الرجال على أن تعامل معاملةً خاصة أساسها الإنبهار، فيحاولون أن يتقربوا منها دائماً، إلا بطل قصتنا فقد كان يتعامل معها كما يتعامل مع الجميع فالجمال مع أهميته ليس هو فقط الجاذب لمثله كما الأخرين، مما كان يثيرها وتتعجب من هذا الذي لم يزلزله جمالها كالأخرين، حاولت التقرب منه لفك لغز وشفرة هذا الرجل، حتى أنها دخلت مكتبه في يوم من الأيام لأخذ رأيه في موضوع خاص بها، وطلبت منه أن يتلاقى في أي مكان آخر، فاعتذر لعدم وجود وقت عنده، وهذا صحيح فعنده ما يشغله ويستغرق وقته تماماً، فلا يعيش الفراغ الذي يعيشه الكثيرين، وزاد من إثارتها وتعجبها من هذا الرجل مع أن كل الرجال يتمنوا معها لقاء، ولكنه لم يكن مثلهم فطلبت منه تليفونه الخاص، فأفهمها أن تليفونه دائماً مغلقاً وهذا صحيح فلا فائدة منه، وتستطيع التواصل معه هنا في العمل، كان هذا مما يزيدها رغبة لكي تتقرب منه، حتى لعبت الصدفة لعبتها ففي مناسبة لصديق له، يقترب من كونه قريب من بعيد وجدها هناك، وتعامل معها بالود المعتاد مع الجميع إلا أنها إقتربت منه، وقالت له هامسة ممكن كلمه فأستئذن من الجميع وخرجا معاً إلى التراس (الشرفه)، قالت له أريد أن أتحدث معك، ولكن المكان غير مناسب، وسوف أنتظرك غداً الجمعة في لوبي فندق هيلتون رمسيس الساعة السابعة مساءً، حاول الإعتذار ولكن بدون جدوى وحدث بينهما اللقاء، كانت السعادة تبدو عليها، فهي قد إنتصرت بعد أن حطمت الاسوار الذي حاول أن يجعلها بينه وبينها، وتكلما في اشياء كثيرة شعر معها أنها إنسانه وأنثى رقيقة، وإن كان جمالها يعطيها بعض الغرور، وأتفقا على أن هذا اللقاء لن يكون آخر لقاء بينهما، وأنصرفا بعد أن أخذت فعلاً تليفونه الخاص، وفي هذه الليلة شعر أن خيالها يلح عليه، ولأنه يهوى الأدب فقد قام إلى مكتبه وبدأ يكتب عن هذا اللقاء وهذه الشخصية، وإذا تليفونه يرن وكانت هي وظلا يتحدثان معاً حتى سمعا المؤذن يقول الصلاة خبرٌ من النوم، وتكررت اللقاءات والتليفونات ووجد منها ميول ورغبات أنثى، فطلب منها الزواج قالت له من مدة وأنا أنتظر منك هذا الطلب، وتم الزواج في حفل بهيج، والكل ينظر إليه ولسان حالهم يقول كم أنت محظوظ، وشعر من بداية الزواج أنها تميل إلى رجولته بشكل مبالغ فيه، إلا أنه برر هذا لجمالها وفرحتها بدخولها دنيا النساء، ورزقا بولد، ورغم مرور سنوات على زواجهما إلا أنها لم تهدأ فدائماً تريد زوجها بشكل لم يتغير رغم مسئولية الإبن، وهذا لا عيب فيه أدرك هو هذا وأقنع نفسه بهذا، خاصةً مع تقدمه في عمله فأصبح ممن يشار اليهم بعد أن أصبح الشخص الأول في عمله، ولأن الأيام لا تُبقي الأشياء على حالها وسبحان الذي يغير ولا يتغير، فقد ألم به مرض صعُب علاجة في بلاده، مما جعل عمله نظراً لقيمته أن يرسله إلى خارج البلاد للعلاج، وطلب هو منها البقاء مع طفلهما لرعايته ومتابعته في مدرسته، وسافر برفقة صديق له يعمل بالطب وكان يدرس في تلك البلد التي يعالج فيها، وأستمر علاجه شهور، وخلال متابعته لها ولإبنه في المدرسه، أدرك أن مستواه التعليمي يتراجع وأدرك أن زوجته تتأخر يومياً خارج البيت، وأنها تركت الإبن مرات عند بعض الأقارب بالأيام، وهذه المعلومات جاءته من أهله المتابعين لها وللأبن كطلبه منهم، وعلم أنها على علاقة بأحد الأقارب، الذي كان ينوي الإرتباط بها قبل أن تفضله عليه، فأصبحت تقضي كل وقتها معه خارج البيت، وقدر الله سبحانه وتعالى له الشفاء، وعاد إلى بيته ولم يجدها ولا إبنه، وعرف انها تقيم عند بعض أهلها لكِي تترك الإبن وتغيب كما تشاء، ولما كانت قد علمت أن شفاء زوجها بعيداً فقد عملت على إتمام إجراءات الطلاق منه للضرر، ودُهشتْ أنه عاد وقد عافاه الله الكريم، واجهها بما سمع وما حدث للأبن الذي أهملته فلم يقتنع بما تقوله دفاعاً عن نفسها، وسألها لماذا تقدمتِي للمحكمة بطلب الطلاق، فلو أنتِ طلبتي الطلاق لنفذت فوراً طلبك، وبدون حوار طويل معها ومما سمعه وشاهده قرر أن يطلقها وفعلاً فعلها، وأعطاها كل حقوقها كما شرع الله ورسوله، وتركتْ هي له الولد بالتراضي، وعندها ذهبت إلى العشيق وقالت له لقد تحررت الأن كما كنت أنت تريد فهيا لنتزوج، إلا أنه قال لها زواج إيه نحن هكذا أفضل، كل منا يجد عند الأخر حاجته، ولا داعي للزواج ومشاكله، هنا أدركت أنها ستتحول الي سيدة بلا كرامه، وتعجبت أن جمالها لم يقيده بها بعد أن كان يتغنى بجمالها، بل أنها فهمت أن الجمال يأُخذ عاشقه منه ثم يمل الأخذ، وتصبح هي وجمالها عنده إمرأة عادية، وقد يتجه هو إلى أخرى وقد تكون الأخرى أقل جمالاً في نظر الأخرين إلا أنها تصبح له أكثر جاذبية، فتراجعت عنه وقالت له كم أنا نادمة على كل يوم قضيته معك، وبدون تفكير وجدت نفسها ذاهبة إلى زوجها السابق وأبو إبنها، فتكلمت معه بالطريقة التي أوقعت به أول مرة، وقالت كم هي قد إشتاقت إليه وحنانه، وأظهرت له الندم وأنها لا تستطيع العيش بغيره وبغير إبنها، فلماذا لا نعود كما كنا وليتربى إبننا بيننا، وأنت تعلم أنك الرجل الأول في حياتي، هنا لم ينفعل بل وبكل هدوء سألها ولماذا وأنا الرجل الأول في حياتك والذي إتقى الله في عشرتك، لماذا رضيتْ لكِ نفسك أن تفعلي ما فعلتي، وسألها إن كانت تعرف قصة الفلاح مع الثعيان، قالت: لا فقص عليها القصة، قال لها كان ثعباناً يعيش بجحر في أرض يزرعها فلاح، وأتفق الفلاح مع الثعبان أن يظل لا يخرج من جحره حتى يمكنه زراعة أرضه، علي أن يضع الفلاج للثعبان كل يوم ثلاثة بيضات على باب جحره، وظل الحال بينهما هكذا شهور والفلاح يفعل فعله والثعبان لا ينقض عهده، إلى أن قال الفلاح لنفسه يوماً لماذا كل هذا الصبر على الثعبان، فلماذا لا أنتظره عندما يخرج لأخذ البيض وأضربه بالفأس الذي بيدي على رأسه فأقضي عليه وأستريح منه وأوفر البيضات الثلاثه لأولادي، وفعلاً حدث بينما الثعبان يخرج لأخذ البيض إنهال الفلاح على رأسه بالفأس وبسرعة سحب الثعبان نفسه ودخل جحره بعد أن أصيب في رأسه، وظل في جحره لا يخرج لكي يتعافى، وظن الفلاح أنه قد مات وأستراح هو منه، وفجأه لما تعافى الثعبان من الإصابه، خرج للفلاح فإذا الفلاح يهرب خوفاً من إنتقام الثعبان منه، وظل طوال اليوم يسير في الحقل يأكل مما هو موجود، ولا يستطيع الفلاح نزول الحقل، واشتد الفقر بالفلاح وجاع أولاده وشعر بالندم ولكن بعد فوات الأوان، فقال مرة للثعبان من بعيد لماذا لا نتصالح ونعود من جديد كما كنا، ولكن الثعبان قال له (كيف أُعاودكَ وهذا أثر فأسك على رأسي)، وبعد سماعها القصة أدركت أنها قد خسرت من بُهرت بشخصيته وسعت إليه وأيضاً خسرت إبنها عندما وجدت الإبن بحضن الأب ولم يذهب إليها، ثم قال لها لن نعود كما كنا فأي رجل يتمتع بالبصيرة يعلم أن من لم يراع الله في الميثاق الغليظ منهما فلن يعود إلى إنسانيته أبداً، فخرجت من عنده وقالت في نفسها هذا جزاء أنا فعلاً أستحقه.

ا.د/ محمد موسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق