هل يستمر و يبقى الكتاب كأوفى و أفضل صديق كما كان ؟ أم تراه هو أيضا يصبح شيئا من الماضي ، خصوصا و قد أصبحت صفحاته رقمية بعد أن كانت ورقية ، نلمسها و نكتشف نعومتها
من خشونتها ، سمكها من رقتها ، وضوح صورها من عدمه . كيف يبقى هو ذلك الصديق الوفي و الذي كنا نصحبه أينما توجهنا نحاوره ، نجالسه ، نعارضه ، ثم بعد ذلك يقنعنا أو نقنعه فنتفق و نتصالح .
أصبح أيضا صوتيا يتكلم ، بعدما كان صامتا ، يهمس أحيانا ، و يصرخ أحيانا أخرى من خلال كلماته ، لا من خلال ذبذبات صوته . أشكال جديدة مختلفة للكتاب ، أشكال توازي سرعة تقدم هذا العالم ، تقدم رهيب يفوق توقعاتنا و تخيلنا و تصورنا أحيانا ، تقدم يطال جل إن لم أقل كل جوانب حياتنا ، لكننا رغم ذلك لن نستطيع العيش بدون ما تعودنا عليه من أساسيات في حياتنا ، أساسيات تذكِّرنا في كل لحظة بطبيعتنا البشرية ، في وقت أصبحت الآلة هي المتحكم و الآمر الناهي فيه ، فقد سيطرت على جل ما كان يقوم به الإنسان من أنشطة ، من مجال الطبخ و الغسل و الكنس و قيادة السيارات و غيرها ، بل و تلقيح أشجار النخيل أيضا و لا نعلم ماذا ستسحب منا أيضا من أنشطة أخرى ، فقد نجد أنفسنا يوما ما و قد فقدنا كل صلاحياتنا في هذا الكون الذي جئنا لإعماره ، لكننا في النهاية قد نجد أنفسنا مجرد مستخدمين لهذه الآلة ، بدل أن نكون نحن أسيادها ، قد نجدها تتمرد علينا يوما لتفرض علينا كلمتها و تُخضعنا لأوامرها ، فلا تبقى لنا عليها سيطرة ، و لا نعلم ما قد يؤول إليه العالم بعد ذلك . ليست نظرة تشاؤمية بقدر ما هي
نظرة واقعية لتفاصيل حياتنا و التي أصبحت تذهلنا بالتغيير الصارخ و المفاجئ يوما بعد يوم .
و رغم كل شيء سيبقى الكتاب الورقي ضرورة حياتية لا غنى لنا عنها ، ضرورة تلك التفاعلات التي ترسم الابتسامة و أحيانا الدموع على وجوهنا ، تبعث الفرح و كثيرا الغضب في اعماقنا
سيبقى القلم سلاحا للبناء أو التدمير ، للفناء أو التعمير ، سيبقى الأمل و الحياة و السعادة و السلام ، أرقى أمانينا و أغلى أهدافنا طالما تحركنا تلك المشاعر و الأحاسيس النبيلة و الإنسانية الرقيقة ، سنبقى نحن خليفة الله في الأرض، لا الحديد و لا الروبوتات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق