أحيانا نجد أن أرقى الصفات الإنسانية من أبشع الجرائم التي يمكن للانسان أن يرتكبها في حق نفسه ، حينما يمارس الصدق وسط الكاذبين ، و الأمانة وسط الخائنين ، و المحبة وسط الحاقدين ، فيقعد نادبا لحظه التعيس ، و لم يلحقه مما تحلى به سوى الألم الدائم ، و الخيبة المتكررة .
تغلب الصفة السائدة مهما كانت سيئة حتى تصبح هي القوية و المتمكنة بل و المتوارثة بين الأجيال ، فيزيد الأمر سوءا ، حينما تصبح الفئة الصالحة هي الضالة ، بل الأكثر ضلالا حينما ترفض الانصياع للتيار و تحاول الحفاظ على محاسنها ، فهي الأمانة و الإرث الذي عليها الحفاظ عليه مهما كان . لكن العيش في اي بيئة يتطلب التكيف معها و إلا سيصبح العيش صعبا إن لم يكن مستحيلا . و رغم أن الصفات السيئة ليست صعبة في ممارستها
لكنها تصعب كما تصعب على الفئة الأخرى أيضا ، و تستمر المعاناة في التأرجح بين البرزخين ، لكن الفئة الصالحة تبقى هي الأكثر تضررا ، و ألما و وجعا و مكابدة .
فماذا نحن فاعلون يا ترى ؟ أنصبح كلنا سيئين ، لأننا لن نستطيع في النهاية أن نكون كلنا صالحين و جيدين . ففي كل منا جزء من هذا و ذاك و لا أحد منا كامل و مثالي . و صالح أو سيء للأبد
و قد تكون صفة الصدق هي الأقوى و الأثر إيلاما لأصحابها ، حينما يكتشفون حسن نواياهم و نقاء قلوبهم يتساقط كما تتساقط الورود اليانعة في مستنقع الماء الآسن ، هكذا يفسد كل شيء و يضيع كل الجهد سدى ، و ما بين الألم و التمسك
يقضي المرء حياته في جحيم و جروح دائمة . و يستمر في إيذاء نفسه إلى أن يقضي نحبه كمدا أو يتكيف مع ظروفه و ينسى قيمه ، فكم من الناس باعوا أغلى ما لديهم هربا من أنفسهم و بحثا عن الاندماج بين الآخرين ، ففي النهاية الثور الأبيض وسط القطيع الأسود هو الأكثر تعرضا للذبح من غيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق