نصبح حقا عميا حينما نعجز عن الاستمرار في رؤية كل ما كان يظهر لنا منذ البداية نعما كبيرة ، و لأن كرم الله يغدق علينا بنعمه نعتقد أننا نضمن دوام كلما أنعم به علينا ، هكذا هو التعود يجعلنا لا نميز الكثير من الأمور ، بل يحكم علينا بغشاوة تستمر على أعيننا كلما التفتنا حوالينا فوجدنا كل شيء لا زال على ما هو عليه ، فتطمئن قلوبنا ، و يهدأ بالنا و نحن في قمة الثقة أننا حصلنا بجهودنا على ما بين أيدينا ، فيزيد جحودنا و تجاهلنا للنعم الربانية ، و لا ريب في هذا فهذه طبيعة الإنسان و تركيبته التي خلق عليها لاختباره و امتحانه ، فما الحياة الدنيا إلا معبر قصير نمر من خلاله و كله ابتلاءات تقيس مدى الصبر و التحمل و التطور الذي نسعى إليه و نجتازه . لكن العبرة تكمن في اكتشاف كل شيء من جديد ، في تذكر كل الخير الذي يغمرنا و نحن غير مبالين و كلنا غرور و كبرياء .
و قد نجد الكثير من القصص التي تعبر عن هذا بكل وضوح ، و عن أصحابها أيضا و الذين أصبحوا يبكون حظهم التعيس بعدما اعتقدوا دوام أحوالهم الممتعة و المريحة ، لكنهم صدموا حينما استيقظوا يوما فوجدوا أنفسهم و كأنهم كانوا يحلمون فقط ، و لم تكن تلك الحياة المريحة التي كانوا يعيشونها سوى حلم قصير داعب جفونهم لحظة من الزمن ليرحل عنهم إلى الأبد .
و لأنهم تعودوا من قبل على ذلك الحلم الجميل ، لم يهتموا أبدا و لم يعبؤوا بالحفاظ عليه من الضياع ، و هكذا وجدوا أنفسهم يوما فاقدين لكل شيء جميل ، فقط لأنهم فقدوا الإحساس بالسعادة في الوقت الذي كانت فيه بين أيديهم ، لأنهم لم يقدروا اللحظة و عيش النعم الذي تزخر بها ، و ربما كانوا يبحثون عما هو أجمل فمن يدري فالانسان لا يملأ عينه إلا التراب ، و لا يشبع إلا بعد أن يغطي جسده الثرى .
فهل ننتبه لنر من جديد كل جميل يحيط بنا ، لنعيش اللحظة و نتمتع بها و نشكر عليها من حبانا بها ؟ أم أننا سنستمر في عيش الظلام و الغشاوة تعمي ابصارنا ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق