لمحته ذلك اليوم من نافذة الباص الذي كان متوجها إلى الرباط ، كان هندامه غريبا ، سروال أصفر و قميص أزرق و جاكيت أخضر، ابتسمت لأول وهلة ، فقد وجدته غريبا بكل تلك الألوان الزاهية التي يرتديها، مع أن ملامحه كانت مبتهجة و تبدو عليها علامات السعادة . كان واقفا بجانب الشارع في أحد زواياه يبيع الفاكهة ، و كأنه استوحى ألوان ملابسه من ألوان الفاكهة التي يبيعها . فالاصفر لون الموز و الأخضر لون فاكهة الافوكادو و الأزرق كان لون أكياس البلاستيك التي يلف فيها البضاعة للزبون . لقد كان مكانه معروفا عند الجميع . و عند عودتي تعمدت أن أراه ، و فعلا وجدته بنفس الألوان مع أن ملابسه كانت نظيفة و يبدو عليه أنه يغيرها كلما اتسخت ، فقررت أن اقتني الفاكهة من عنده في المرة المقبلة و انا ذاهبة بسيارتي. فقد كانت المسافة بعيدة و لا يمكنني قطعها على الأقدام .
و فعلا في اليوم التالي كان في نفس المكان و بنفس الألوان المختلفة قليلا عن المرة السابقة. أخذت ما يلزمني من عنده فقد كانت السلعة التي يعرضها طازجة لدرجة تجعل من يمر يشتهيها فيفكر في شرائها من عنده . أخذت ما يلزمني ثم وجدت سيدة تسألني عن مدى جودة السلعة و الأسعار ، فوجدت فرصة كي ادردش معها قليلا ، فكلمتها عن مدى طزاجة الفاكهة مع تناسب الأسعار التي كان يبيع بها ذلك الفكهاني ، و انتهزت الفرصة كي أسألها عن هندامه الغريب و الألوان الزاهية التي يلبسها ، فقلت أنه تبدو عليه آثار السعادة و الراحة النفسية من خلال هندامه الذي يبعث على الهدوء و الارتياح فوجدتها تخبرني أنه لا يميز الألوان من بعضها ، و قد كان هذا هو سبب ارتدائه لتلك الألوان الجميلة و الكل يعرفه منذ زمن طويل، فهو _كما أخبرتني السيدة _مصاب بعمى الألوان و لا يميز الأخضر من الأصفر من غيرها من الألوان . ابتسمت مستغربة من قولها و من ظنوني اتجاه ذلك الرجل المسكين ، فقد ظننته في قمة البهجة و الإيجابية في الوقت الذي لم يكن سبب ذلك إلا عجزه عن تمييز الألوان من بعضها ، و بالتالي فقد كان ما يلبسه منافيا تماما لحالته النفسية ولمزاجه .
كم تأخذنا الظنون بعيدا عن الحقيقة تماما و كم تجعلنا الصور التي نراها نتيه في الخيال لدرجة أننا نؤلف قصصا منافية للواقع تماما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق