.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

لا تستسلم للموت البطيء..بقلم د.نجية الشياظمي

هل سبق و سمعت بمن يموت في كل يوم شيئا فشيئا و يفقد جزءا منه ؟؟؟ هل سمعت بمن يأكل و يشرب و ينام و يستيقظ لكنه ميت من داخله ، يتحرك بصعوبة و يمارس الحياة بصعوبة أكبر . يرى الشمس و النور لكن أعماقه مظلمة بشدة ، طوفان من الحزن يجتاح كل ركن من اعماقه ، و صقيع يجمد كل مشاعره و قواه ، تراه ضعيفا منهوكا ، كأنما عاش قرنا من الزمن و هو  يقاتل و يحارب .... 
يرى كل أحلامه ركاما أمام عينيه ، يرى كل الطرق مسدودة ، و كل المفاتيح مفقودة ، يرى نفسه في المرآة و يكره أن يتأمل في ملامح وجهه ، بل الأدهى من هذا أنه إنسان قد يكره و لا يطيق نفسه ، هكذا يجعل الاكتئاب صاحبه ، صورة بلا روح ، جسدا بلا حياة ، مستقبلا بلا أحلام ، و أحلاما بلا ألوان ، أياما متشابهة بلا طعم و لا أنغام ، بلا موسيقى و لا ألحان ...
يعيش لكي يقال عليه أنه لا زال على قيد الحياة ، مع أنه مفقود على الكثير من الأصعدة ، فهو ليس على قيد الفرح ، ليس على قيد السعادة ، ليس على قيد البهجة و لا على قيد النجاح و لا على قيد الإنجاز . حاضر و غائب ، موجود بإسمه لكن أثره مفقود ....
قد يصيبنا هذا الإحساس أحيانا لفترة محدودة ثم ننهض بعدها من جديد ، نستعيد طعم الحياة و نشاطها و بهاءها ، و هذا أمر طبيعي ، لكن الكثيرين قد يمكثون في هذه المحنة اياما و شهورا و أحيانا سنوات . سنوات نراهم في نفس المكان بنفس الملامح الكئيبة،  ينتظرون أن يتغير العالم كي يتغيروا و ينعموا بالأمن و السلام و السعادة ...لا نملك أن نلومهم فلكل ظروفه ، أحينا وراثية ، و أحيانا اجتماعية و أحيانا مادية و غيرها و غيرها . لكن لا يمكن للإنسان أن يبقى مكتوف الأيدي ينتظر ، يلعب دور الضحية البريء الذي لا يملك لنفسه و لا لغيره شيئا سوى أن يلوم الظروف و الناس و القوانين و كل شيء من حوله ، معتقدا أن ذلك سيوفر عليه التحرك و البحث عن السبل القويمة التي ستمكنه من الخروج من قوقعته و دائرته المفرغة التي تجعله يدور داخلها بدون جدوى و لا فائدة .
و تعتبر الحركة البسيطة أهم ما يمكن أن يقوم به الإنسان في إطار التغيير الذي يسعى إليه ، فمجرد الكفاح من أجل النهوض صباحا من السرير و عدم الاستمرار في الاستسلام للنوم _و أحيانا لا يكون نوما لكنه يمثل هروبا من الواقع_ هذا في حد ذاته دافع قوي لأجل التغيير بالإضافة إلى ممارسة القليل من الرياضة و تحمل القليل من المسؤوليات  _لا ننكر ضرورة التدخل الدوائي أحيانا من طرف الطبيب _، لكن هذا كله يساهم في كسر الأفكار الروتينية الملحة على عقل المكتئب و يجعله يرى و يكتشف أمورا جديدة ربما كانت غائبة عن تفكيره ، و يسمى هذا في علم النفس و خصوصا في العلاج المعرفي السلوكي "التنشيط السلوكي " و يعني ذلك الخروج من النمطية التي تعود عليها الإنسان ، و التي تكبل إرادته ، و تقيد عزيمته فيبقى عاجزا عن مساعدة نفسه... أجل مساعدة نفسه ، فهو وحده القادر على ذلك و إذا رفض أو عجز فلن يجد من يخرجه من عالمه السقيم و المميت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق