إن دخول أزمة فيروس كورونا على خط أزمات الاقتصاد
العالمي زاد من حدتها ومخاطرها, وأقحم العالم في أجواء قاتمة مظلمة, فإن خطر
الأزمة الاقتصادية الهائلة المنتظرة مع انتهاء أزمة كورونا لا يزال مؤجلا أمام
الخطر الداهم والأكثر هجومية وشراسة, ولكن هناك أراء كثيرة حول العالم تتوقع تغير
صورة العالم اقتصاديا بعد انتهاء موجة فيروس كورونا.
وقد صدرت دراسة تحليلية عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة
والتنمية ( الأونكتاد), وجدت أن الصدمة التي تتسبب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في
بعض الدول, وستخفض النمو السنوى العالمي هذا العام إلى أقل من 2.5% . وفي أسوأ
السيناريوهات, قد نشهد عجزا في الدخل العالمي بقيمة تريليوني دولار.
وقد دعت الدراسة إلى وضع سياسات منسقة بين دول العالم
لتجنب انهيار الاقتصاد العالمي, مع توقع تكلفة بنحو تريليون دولار كنتيجة للتباطؤ
الاقتصادي الذي ساهم فيروس كورونا في إثقاله وزيادة بطئه.
وهناك توقعات أخرى من واحد من أكبر بنوك أمريكا , وهو
(غولدمان ساكس), تحدثت عن انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مستوى العالم
حوالى 1% في العام 2020 , وهو ما
يفوق معدل التراجع الاقتصادي الذي تسببت به الأزمة المالية العالمية في العام 2008 .
لذا سيتعين على البلدان أن تركز على حزم عديدة من
التحفيز للحد من الأثار الاقتصادية لفيروس كورونا. فمن الضروري المساعدة في إرساء
الركائز لمستقبل أكثر مرونة واستدامة ورخاء.
ورغم القلق الشديد نجد أن المساهمات الوطنية,
واستراتيجيات التنمية الوطنيةوالعالمية, والمخططات الرئيسية, تستحق اهتماما
كبيرافي عملية التحفيز.
بل تعد بمثابة نافذة على رؤية الحكومات لمواطن النمو
الاقتصادى في المستقبل, والتحولات التكنولوجية, واللتين ترتبطان بشكل واضح بخلق
فرص العمل وتوفير الوظائف, وفي كثير من الأحيان يتعين عليها أن تأخذ في الحسبان
التحديات المعقدة حيث يمكن للتقدم أن يحقق مكاسب عديدة من حيث الحد من الفقر,
وزيادة القدرة على المنافسة, وتحسين الصحة العامة ومستوى الصحة الاقتصادية,
والمنافع العامة العالمية. ويقينا سيكون هناك حاجة إلى المزيد من العمل من أجل
تحويل المساهمات والاقتراحات والجهود إلى محفظة من المشاريع الجاهزة للتنفيذ نظرا
لأن أغلبها ينقصه التفاصيل الدقيقة, ونعلم جيدا أن هذه المساهمات الحالية لا تكفي
وحدها لتخليص اقتصاد العالم وتلافي أسوأ ما في الأزمة.
فلابد من البحث عن أليات مناسبة للخروج من جائحة كورونا
بأقل الخسائر. ومن المتوقع تعمد بعض الدول لإجراء تغييرات جوهرية في بنية الأسس
الاقتصادية وكذا التشريعات والأنظمة للعديد من الاقتصاديات العالمية, وهناك توجه
كبير لإعادة هيكلة للاقتصاد العالمي بكل دولة على حدة, حيث ستبدأ عملية إعادة
الهيكلة اعتبارا من إعادة النظر في الأنظمة الدولية.
فإن ملامح مستقبل الاقتصاد ستعتمد على تشجيع الصناعات
الوطنية وتأمين إمدادات المواد الأساسية, إضافة إلى دراسة تنويع وارادت الصناعات
من مواقع ودول حول العالم, ومواءمة السياسات الاقتصادية للمتغيرات العالمية على
المدى القصير والبعيد. وتشير التوقعات إلى أن الاتجاهات الاقتصادية العالمية
لمرحلة ما بعد كورونا ستدفع نحو تطوير سلسلة توريد عالمية جديدة وأنماط تجارية
جديدة مع دور ناشط أكثر للحكومات في الاقتصاد الوطني في جميع الأسواق, وتخصيص
استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية والصحة والتعليم والتجارة.
كما يجدر الإشارة إلى إيجاد معايير جديدة لسلاسل
التوريد العالمية, وإيجاد بدائل للسلاسل غير المتاحة, كما يتعين تطوير قاعدة
البيانات وتعظيم دور التكنولوجيا .
فلابد من وضع إطار عام لاستراتيجية شاملة تتضمن خطط عمل
وسياسات حكومية في القطاعات الأكثر ارتباطا بحياة الناس.
وأخيرافلابد من عودة للاقتصاد ليخدم الناس الكثر, العوام, لا الأقليات.
ربما هي استفاقة ليست صحية فحسب, بل أيضا اقتصادية إلى
الدرجة التي وصل إليها العالم من الافتراض والانفصال عن حقائق علم الاقتصاد.
كل التوفيق يا دكتورة/ نجلاء عبدالمنعم
ردحذف