.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

من مذكرات أستاذ جامعي ( الحب والحياة والإنسانية )..بقلم: ا. د/ محمد موسى

كلمات الحب تداولها الإنسان منذ سكن هذه الأرض ، وعاشت في جميع الصدور حتى وثقها الإنسان بالكتابة فى السطور ، ويروى لنا التاريخ قصصاً في الحب ، سطرتها تجارب إنسانية عربية وغير عربية حتى لو كانت في الخيال ، مثل قصة قيس وليلى الذى قال فيها قيس من الوجد : مررت على الديار ديار ليلى .. أُقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شخِفنا قلبي .. ولكن حب من سكن الديار
وقصة عنتر وعبلة التي تحدى فيها الحب كل مظاهر التميز العنصري من حيث اللون والأصل ، وفي الأدب العالمي قصصاً لا تقل في الرومانسية عن القصص العربية مثل قصة روميو وجوليت مثلاً التي تحدى الحب فيها العداء ، وقدمت السينما العربية قصصاً في الحب وكذلك فعلت السنيما العالمية ، لتوثيق هذه المشاعر الراقية ، فمن منا لا يذكر قصص إحسان عبد القدوس وقصص يحيى حقي ويوسف إدريس وغيرهم ، ولا تنسى السينما العالمية قصة حب Love Story أو الفيلم الفرنسى الحياة للحياة Viver pour Viver ، وعشرات القصصى التى مازالت في الوجدان ، وأنفردت السينما الهندية بقصص الحب الجميلة والقريبة إلى الخيال ، وأذكر عندما كنت فى لندن ، قامت صداقة بيني وبين موظفة إنجليزية تعمل في مكتبة في أول شارع إكسفورد ، القريب من الأوتيل الذي كنت أنزل فيه ، وهذه المكتبة تحتوي على الجرائد العربية والكتب العربية التي تأتي إلى المكتبه وتنشرها في لندن ، وكنت كل أسبوع عندما أأتي إلي لندن من ويلز ( كنت أدرس في جامعة ويلز) ، أول ما أفعله هو أن أذهب إليها لكي أطالع الجديد من الكتب العربية التي كانت قد وصلت إلى لندن ، وهناك وجدت الكنز في مرة من المرات ، هذا الكنز يتمثل عندي فى قصيدة من ديوان شعر للراحل مأمون الشناوي ( الشاعر مأمون الشناوي 1900 - 1976) حيث كنت قد قرأتها وأنا في مصر ، ثم فُقدت والديون الذي كانت فيه ، ولا أعرف هل أعرته لأحد الأصدقاء ونسيته ولم يعيده الصديق لي ، أم ماذا لا أعلم وبحثت عنها طويلة وملخص موضوع هذه القصيدة أن صديقين توفى إلى رحمة الله أحدهما فعاتبه الأخر لماذا تركتني وحدي ورحلت ، عنوان هذه القصيدة "عتاب إلى صديق" تقول بعض أبياتها:
يا صديقي أرى المصائب شتى .. وعجيبٌ بين المصائب أنتَ
صنتُ عهد الوداد حينا فلما .. صدمتني حوادثْ الدهر خنتَ
كنت أبكي إن غبتَ عني يوماً .. وإن غبتُ عنكَ يوما بكيتَ
وأرني اليوم أصبحت أحمل وحدي .. وجد قلبينا بعدما أن هجرتَ
وهكذا كان الحب يسود بين الناس ، فى البيت الواحد كان يعم الود بين السكان مسلمين ومسيحين ويهود ، لا يعرف الشعب المصرى الكراهية ، وتحضرني هنا واقعة عندما غادر اليهود مصر عام 1956 ، روى لي صديق دكتور في جامعة الأسكندرية ، كان يقيم في حي محرم بك هذه القصة ، أن عائلة يهودية وهم يغادرون الأسكندرية إلى اليونان ، إذ الأم كبيرة السن ظلت تبكي وتمسكت بباب الشقة التي كانت تقيم بها ولا تريد مغادرة مصر ، ويدفعها الأبناء دفعاً وهي تصرخ وتنادي على الجيران حتى لا يجعلوا الأبناء يأخذوها خارج الأسكندرية ، وفي أدبيات الشعب المصري أمثلة لا تجد نظير لها في أى من لغات العالم ، كلمات يفوح منها الود ، مثل " إختار الجار قبل الدار" ، ومثل " رب أخ لك لم تلده أمك" وهكذا ، وأذكر وعندما رحلت (المرحومة بإذن الله) ام كلثوم كنت أنتظر ماذا سيكتب الشاعر أحمد رامى عنها كما كتب الكثيرين ، فأنا قرأت كثيراً كم كان متيماً بها ، فإذا به يكتب في ذكرى الأريعين أجمل ما كتب في الرثاء:
ما جال في خاطري أنى سأرثيها .. بعد الذي صغته من أشجى أغانيها
كنت أسمعها تشدو فتطربني ..واليوم أسمعني أبكي وأبكيها
وهكذا عاش الحب ، قبل أن ينحصر الى ركن بعيد في حياتنا ، ويصبح علامة من علامات الضعف الإنساني ، وتصبح العلاقات تجارة ومصالح ، فإذا بنا قد خسرنا جميعاً.
   ا. د/ محمد موسى

هناك تعليق واحد: