.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

هدايا الطفولة..قصة قصيرة بقلم المبدعة المغربية د/ نجية الشياظمي


كعادتنا كل صباح .. نجلس متقابلتين .. على نفس الطاولة .. في نفس المقهى العتيد بالشارع الرئيسي القريب من البحر .. نرتشف قهوة الصباح على صوت المذياع .. أنا أتابع رسائل أولادي على هاتفي .. وهي تنظر في فنجان القهوة منصتة للأخبار المتنوعة والأغنيات المتتابعة عبر الأثير ، وهذا الصباح كان الموضوع حول هدايا الطفولة. 
تركت صديقة عمري فنجان القهوة وأغمضت عينيها وهي تقول :
هل تعلمين يا رفيقة الدرب ، كلما فتشت في ذاكرتي و قلبت أوراقها لم أجد أي ذكرى لأي هدية تنشي ذاكرتي و تعيدني لذلك الإحساس المبهج الجميل . 
تعجبت جدا من كلامها ومن نبرة الحسرة في صوتها ، حاولت أن أعيد توجيه الحوار ، لكنها واصلت همسها:
كثيرا ما أسأل نفسي ، ترى ما هو السبب في ذلك ؟ أكان عدم اهتمام منهم بي ، أم عدم اهتمام مني بطفولتي وعيشها كما يعيشها الآخرون ، فقد أحسست حينما كبرت أنني لم أعش طفولتي كما يعيشها جميع الأطفال . فليس لدي إلا حفنة من ذكريات قليلة من بعض اللعب و المغامرات البسيطة ، و التي لا تحفزني إلى الافتخار بها ، حينما يفتح كل صندوق ذكرياته ليتكلم عنها و نحن نتبارى و نتسابق فيمن يتقدم و يترأس اللائحة . 
مددت يدي كي أربت على يديها المرتعشتين .. احتضنت هي كفي وكأنها تقول لي لا تقلقي أنا بخير .. ثم تناولت فنجانها بعيون دامعة وهي تقول:
إلى الآن لا زلت أحس بتلك الفرحة و التي أشعر و كأنها سرقت مني ، فقد وعيت على نفسي و أنا ادرس طول اليوم ليدرس من هم في سني نصف اليوم فقط ، فقد كان والدي رحمة الله عليه مضطرا لوضعي في أي قسم يناسب سني في انتظار أن يكمل حصته في التدريس ، و كان هذا الأمر يحزن قلبي ، فلم يكن سني يتجاوز الست سنين ، لكنني كنت أحس بمسؤولية كبيرة ، فقد كنت الطفلة البكر ، و كانت والدتي تنتظر مني أن أكون ساعدها الأيمن في أشغال البيت ، و هذا الأمر جعلني أمقت و أكره أشغال البيت حتى حينما كبرت ، فقد تكدس اللاوعي عندي بالعديد من الأمور السيئة  في الوقت الذي كان والدي أيضا ينتظر مني القيام بدور اللبنة البكر و بدور الذكر الذي لم يحصل عليه من اول إنجاب ، و قد كان هذا الأمر يثقل كاهلي ، لكنني تكيفت مع جميع الظروف ، و كنت دائما أسعى لأن أرى في أعينهم نظرة الرضا و السعادة حتى و لو على حساب نفسي . هكذا أدركت أن المسؤولية كانت مشتركة بيننا ، و أنني كنت "الضحية" ، لكنني في نفس الوقت كنت أرى نفسي بالقوة التي التي أصبحت عليها الآن ، و التي جعلتني أكون معتمدة على نفسي واثقة منها ، شاكرة لله كل الظروف التي ساهمت في ذلك . قد تكون الطفولة مرحلة من مراحل العمر ، لكنها تبقى ساكنة في أعماقنا تنتظر من يوقظها و يعتني بها من جديد ، فهذا حق أنفسنا على أنفسنا حتى لو ظُلمنا من الغير في إحدى المراحل أو الفترات .
كل ما قالته وكل الذي لم تقله أنا أعرفه تماما ، فهي ذاكرتي وتاريخي ، بحكم صداقتنا الممتدة بعمق سنوات عمرنا ، وبحكم تخصصي العلمي والعملي وقناعتي التامة بأن مرحلة الطفولة تبقى مرحلة تأسيسية لشخصية الانسان ، و كل تداعيات تلك الفترة تطغى بسلبياتها أو إيجابياتها فيما بعد على حياة الفرد.
أمسكت بيدها وانصرفنا نحو الشاطئ لنكمل طقوس الصباح التي اعتدناها سويا منذ سنين وسنوات طويلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق