آمنة تباني..تكتب: مصطلح الثقافة بين البعد الميتافيزيقي والرؤية السوسيولوجية والأنثروبولوجية

يُعدّ مفهوم الثقافة (Culture) إحدى الركائز الأساسية في الدراسات الإنسانية والاجتماعية، وقد خضع لتباينات دلالية واسعة عبر العصور والمجتمعات. تاريخيا، ارتبط المفهوم في المراحل المبكرة للإنسانية بـالبيئة والظروف المحيطة بالإنسان، متخذا بعدا طقوسيا دينيا. ففي العصور الوسطى، كانت الثقافة تعبّر عن الطقوس والممارسات المتصلة بالبيئة، وكان الفعل الإنساني مرتبطا بقوى إلهية عليا. ومن ثم، تطور هذا التعبير ليصبح التفاعل مع الأرض، حيث ارتبط نشاط الإنسان وعلاقته بالطبيعة وما تقدمه من مواد خام (كالزراعة والبناء) وبذلك اكتسب المصطلح دلالته الواسعة التي أدت إلى استخدام تعبيره باللغة الإنجليزية في سياق زراعي.
التطور الدلالي للمفهوم في الفكر الغربي:
شهدت الدلالة اللغوية للثقافة (Culture) تطورا مهما؛ ففي اللغات اللاتينية (مثل الفرنسية والألمانية)، يشير الأصل اللغوي للمصطلح إلى "فعل الرعاية والزراعة" (فعل الإنسان في الطبيعة). وقد تطور هذا المعنى ليشمل الإنتاج الإنساني الفكري والإبداعي، مما ساهم في تأسيس الفهم الحديث للثقافة كمُنتج حضاري.
مع بداياتالقرن الثامن عشر بدأت دلالة الثقافة تتحول نحو منحى فكري ومختلف. ففي الفكر الألماني تحديدا، أصبح التركيز ينصب على القيم والأفكار التي تخص الجماعات، مفصلا إياها عن القضايا الفردية. وفي منتصف القرن العشرين بدأ التقارب بين الاتجاهين الألماني (التركيز على الثقافة الموضوعية) والفرنسي (التركيز على الحضارة والمدنية). وقد أسهمت أعمال مفكرين مثل دركايم (Durkheim) في تعزيز المقاربة التي ترى أن الثقافة تسمو على الأفراد، لتصبح ظاهرة جماعية اجتماعية تعكس الأفكار المشتركة.
المقاربة الأنثروبولوجية:
يُعد إدوارد تايلور (E. B. Tylor)، وهو أحد الرواد في الأنثروبولوجيا الإنجليزية، مرجعا أساسيا في تحديد المفهوم الأكاديمي للثقافة. فقد نظر تايلور إلى الثقافة بوصفها ظاهرة شمولية تطال كافة مناحي الحياة المجتمعية. وعرّفها على أنها:
"ذلك المركب المعقد الذي يضم المعارف والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والتقاليد وجميع الإمكانات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان كعضو في مجتمع معين"
يبرز هذا التعريف مدى شمولية الثقافة؛ فهي تحتوي على جميع الإنجازات المادية واللامادية التي ينتجها الإنسان بوصفه
تعليقات