ما أصعب النسيان..بقلم د/نجية الشياظمي(من كتاب رسائل عتاب)

كم نحتاج أن ننسى جروح الماضي ، كم نحتاج أن نقلب الصفحة ، أن نمضي قدما نحو السلام و السعادة و الجمال . و مهما حاولنا نجد تلك الصور الصارخة والمؤلمة لا تغادر مخيلتنا و كأنها تصر على أن تذكرنا ، كي نتعلم أولا وكي لا ننسى ثانيا فنتأذى مرتين من نفس المصدر . لا أعلم لماذا قررت هذا اليوم فتح الجروح القديمة ، فتح الملفات المؤلمة ، ربما كي أدفن كل شيء ، أحرقه أو حتى أمزقه لعلها تكون آخر عودة مني إليها . تذكرت حينما كنت أمامك كتابا مفتوحا ، في الوقت الذي كنت فيه كتابا مغلقا ، مبهما ، سريا وممنوعا .
كانت كل تفاصيلك مجهولة بالنسبة لي ، إلا ما سمحت به و بالقدر البسيط و الهين . إنها ثقافتنا ، تحث الرجل أن يبقى مبهما لزوجته حتى يحافظ على رجولته - ذكورته - . و شأني شأن كل زوجة تود أن تعلم ما الذي يجري ، كنت أحاول العثور على ما يرشدني كي يطمئن قلبي ، و في كل مرة كانت محاولاتي تبوء بالفشل . غريب ذلك الحرص الذي عودت نفسك عليه ، و مع ذلك بقيت مصرة على وضوحي و شفافيتي ، لم يكن ذلك يزعجني في شيء ، بالعكس كنت أعتبره المعيار الحقيقي لقوة العلاقة و صدقها و دوامها أيضا . 
كانت هناك العديد من التفاصيل التي تهمني و تهم استقراري معك ، لكنني كنت أفتقدها ، و حتى حدود هذه الساعة لا زلت أتساءل ، ما الذي يجعل زوجا يحب زوجته و ينوي دوام و استمرارية حياته معها ، أن يخفي عنها كل شيء ؟ ما هذا التفكير العقيم ؟ لماذا نعيش سوية و تحت سقف واحد إذا كنا نخاف من بعضنا ، و نلتزم الحرص و الحذر ؟ لماذا نخفي عن بعضنا أمورا من الضروري أن نعرفها عن بعضنا .
 وعي جمعي "منحط" آسفة أن أقول هكذا ، لنفترض جدلا أن ذلك من حقك ، لكن من تود أن يعرف أسرارك دون زوجتك ؟ ماذا لو حدث لك أي أمر طارئ ، من تراه سيخبرها بتلك التفاصيل التي أخفيتها عنها و التي  ستجعلها قوية و تمكنها من إنقاذك في حال كان بإمكانها ذلك ، أو حتى أن تسير أمورها بعدك و مع أبنائك و هي مطمئنة و مسلحة بما يكفي كي تكمل المسيرة التي بدأتماها معا ، لكن الأقدار حالت دون أن تكملاها معا . لماذا يتكبر الرجل العربي في أن يتقاسم تفاصيل حياته مع من تتقاسم معه دقائق و ساعات يومها ، لماذا هذا الحذر غير المبرر ، مهما كنت تخاف في أن تعرف زوجتك فتطالبك بالمزيد ، لماذا لا تسائل نفسك ما الذي يجعلها تعطي بمقابل و في أحيانا كثيرة بدون مقابل و عن طواعية و طيب خاطر.

تعليقات