في يوم ميلادي تخيلت ، أمي و هي تستعد للولادة ، تهيء الحقيبة التي وضعت فيها ما اشترته لي من ملابس ، و ما هيأته من مستلزمات ، هكذا الأمهات قبل الولادة ، يهيئن كل شيء و كلهن فرح و سرور ، ففي وقت الألم لا مجال للبحث عن أي شيء آخر ، سوى الاستعداد لتحمل آلام الطلق ، و كل شيء يجب أن يجهز مسبقا ، و حينما ببدأ الألم تحمل الأم حقيبتها و تتوجه إلى دار الولادة . فقد أصبحت الولادات متعسرة في أيامنا هاته ، و لم تعد تتم في البيوت كما كانت سابقا . حتى أنها أصبحت قيصرية في جل الأحيان .
هكذا تخيلت الأجواء التي كانت تستعد لاستقبالي ، فقد كان الموسم صيفا ، و هذا الفصل أقل معاناة بالنسبة للأم و وليدها ، فهو يمنح الدفء ، و الشمس و الوقت أيضا . و من المؤكد أن والدي رحمة الله عليه كان يقضي عطلته السنوية ، و كان في أتم الاستعداد لرؤيتي و الفرح بقدومي ، و ليس والدي وحده ! بل كل أسرة والدي و والدتي ، فقد كنت أول فرحة لهم ، و بذلك ، أتخيل أن حماسهم لقدومي كان سيكون على أتمه و في شدته ، لست أدري ، إن كانا يفضلان أن أكون ولدا أو بنتا . فكما هو معروف عندنا ، أول مولود يرحب به كيفما كان جنسه ، و هكذا أستبعد أن يكون الجميع قد تمنى غيري . من المؤكد وقتها أنه لم يكن لدي الوعي الكافي الذي يمكنني من أن أتخيل حياتي التي هي في انتظاري أو أنا في انتظارها . هكذا نولد أبرياء ضعفاء ، لا نعلم شيئا عما نحن مقبلين عليه . و نكبر و ننضج و نعيش الحياة كما هو مكتوب لنا ، نختار بعضها و يقدر علينا بعضها الآخر ، و حينما يأتي نفس اليوم الذي ولدنا به نحتفل بعيد ميلادنا ، منا من يفرح و منا من يحزن لهذه الذكرى ، و مع أنهم يقولون أنه من الأولى الحزن بدل الفرح ، بسبب تقدمنا في العمر و بسبب أننا بعد كل عام نقترب من رحلة الوداع . لكنني لا أملك ، سوى أن أفرح و أبتهج ، فنحن لا نملك سوى اللحظة التي نعيشها ، فلا ماضي و لا مستقبل يستحق أن نضيعها من أجله . و أعود لأتذكر يوم احتفالهم بعودة أمي و هي حاملة لي بين يديها ، ربما زغردت إحداهن ، و ربما نسيت ، لكن يوم عقيقتي بعد أسبوع كان يوما مشهودا ، و قد اختلفوا في تسميتي ، و لكنني حظيت بما قسمه رب العالمين لي من كل شيء .
أشكر ربي ، أشكر أبي ،أشكر أمي ، و كل من فرح بقدومي و من اعتنى بي إلى أن وصلت إلى هذه المرحلة ، كي أكتب ما كتبته بهذه المناسبة .