المفاهيم الدينية عند مريض القلق..بقلم الدكتورة/أسماء محمد سعد
من يدرك أن القلق مرض نفسي ويحتاج إلى علاج فقد يستطيع التفريق بين ما هو ديني وما هو ناتج عن حالته النفسية مما يساعده على التعامل مع مشاعره بطريقة أكثر توازنا في النهاية فإن العلاقة بين القلق والمفاهيم الدينية معقدة وقد تكون سببا في التخفيف من القلق أو زيادته حسب كيفية فهم الشخص للدين وطريقة تفكيره ومدى تأثره بالوساوس والمخاوف.
فمريض القلق تتأثر حالته النفسية تأثيرا كبيرا حيث إنه قد يجد في الدين ملاذا آمنا يهرب إليه من مشاعر الخوف وعدم اليقين التي تسيطر عليه أو قد تكون هذه المفاهيم نفسها مصدرا للقلق إذا تركز تفكيره على الخوف من العقاب الإلهي أو التقصير في الواجبات الدينية بعض مرضى القلق يزداد لديهم التعلق بالممارسات الدينية بصورة وسواسية حيث يشعرون أنهم مطالبون بأداء العبادات بشكل مثالي دون أي خلل ولو بسيط .
مما يجعلهم يعيدون الصلاة أو الوضوء عدة مرات خوفا من الخطأ بينما هناك من يتجنب التفكير في الأمور الدينية تماما لأنه يشعر بأنها تزيد من مخاوفه خاصة إذا كان لديه أفكار سلبية عن العقاب والذنوب هذا التأثير يتفاوت من شخص لآخر حسب طبيعة شخصيته ودرجة القلق التي يعاني منها وأيضا البيئة الدينية التي نشأ فيها إذا كانت هذه البيئة تركز على الترهيب أكثر من الترغيب فقد يجد مريض القلق نفسه غارقا في مخاوف لا تنتهي من العقاب والعذاب حتى لو كان يؤدي فروضه كاملة بل إنه قد يشعر أنه لا يؤديها بشكل صحيح مهما فعل مما يجعله يدخل في دوامة من القلق والتوتر المستمر البعض قد يجد في الدين طمأنينة وسكينة تريحه من مشاعر القلق خاصة إذا ركز على الجوانب الرحيمة في الدين مثل المغفرة والرحمة والتيسير في العبادات مما يساعده على تجاوز بعض مخاوفه وتقليل شعوره بالذنب .
ولكن إذا كان تفكيره الديني مبنيا على الشكوك والوساوس فإنه قد يعاني من صعوبة في الشعور بالطمأنينة لأن عقله يستمر في البحث عن تأكيدات بأنه لم يخطئ وأن عباداته صحيحة وهذا قد يجعله يسأل رجال الدين باستمرار عن أحكام العبادات ويفكر طويلا في كل صغيرة وكبيرة متعلقة بأدائه الديني بعض مرضى القلق قد يشعرون أنهم تحت اختبار دائم من الله وأن أي تقصير بسيط قد يؤدي إلى عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة وهذا الإحساس يولد لديهم ضغطا نفسيا كبيرا يجعلهم غير قادرين على الاستمتاع بحياتهم أو الشعور بالراحة حتى في الأمور العادية مثل تناول الطعام أو الحديث مع الآخرين حيث يسيطر عليهم الإحساس بأنهم يجب أن يكونوا في حالة خشوع دائم مما يحرمهم من الشعور بالاسترخاء الطبيعي .
هناك أيضا من يتجه إلى البحث عن إجابات دينية لكل مخاوفه ويعتقد أن كل قلقه هو نتيجة لابتعاده عن الدين مما يجعله يزيد من الممارسات الدينية بشكل مبالغ فيه أملا في التخلص من القلق لكنه يجد أن القلق لا يزول بل قد يزيد بسبب الوساوس المتعلقة بصحة هذه الممارسات وأيضا بسبب شعوره بأنه مهما فعل فإنه مقصر وأنه يحتاج إلى المزيد من العبادات ليشعر بالأمان وهذا قد يدفعه إلى العزلة والتفرغ الكامل لممارسة العبادات بطريقة تؤثر على حياته اليومية وعلاقاته الاجتماعية
تعليقات