صاحبة الضفيرة السوداء..بقلم المبدعة التونسية/بسمة الطهاري

 ثوبها الأرجواني القصير الممزق وظفيرتها السوداء المهملة ويداها الملطختان بالطين لم يغنوه عن ملاحقتها بنظراته ، فلون العينين الواسعتين الغارقتين بالعسل المصفى كان جذابا إلى حد الاستعمار ، وذاك الوجه الطفولي المستدير كان أخاذ ا ، لذلك لم يتريث صاحب بقالة القرية وقرر أن يجرب حظه غير عابئ بمصيره..

لم تتم بعد سنواتها الإحدى عشر لكن عقلها كان عقل عجوز محنكة وحدسها كان متيقضا جدا وخصلتي شعرها المنسابتين على جبينها كانتا بمثابة قرني استشعار عن بعد.
ناداها بصوته الجهوري :وااااا بسماء
فاقتربت منه راكضة كعادتها ، فالعم شعبان كان كريما معها عندما كانت بسن السابعة كان دوما ، يغدق عليها قطع الحلوى بألوانها الجميلة المزركشة فتتناولها بسعادة وتغلق كفيها الصغيرين بعد أن تقبله سريعا بوجهه.
حدقت به مليا منتظرة أن يقوم من على كرسيه الخشبي المتآكل ويناولها بعضا من خيرات المحل كعادته لكنه لم يتحرك من مكانه هذه المرة ،ربما غيرته السنين . وقد لاحظت إتساع حدقتي عينيه ولمحت إرتجافا خفيفا لشاربه الأيمن مع إبتسامة عجيبة تشبه إبتسامة الذئب بقصة ليلى فتسمرت مكانها لكنه أومأ لها أن إقتربي ،فدنت منه بحذر كما تقترب اليمامة من حبات القمح فتلتقطها وتطير بعيدا عند أول شعور بالخطر. وقالت :هل عندك حلوى؟صاحبة الظفيرة السوداء تريد الحلوى دون حرب ودون إهراق قطرة دم واحدة ، والشيخ مستميت من أجل إستدراجها...
قال لها مبتسما ادخلي وخذي ما تشتهين ثم تعالي واجلسي بجانبي سأقص عليك قصة جميلة فابتسمت ابتسامة عريضة زادتها بهاء وولجت إلى قعر البقالة وإنتقت سلة صغيرة وملأتها بكل أنواع الحلوى ودست بجيوب فستانها مالذ من قطع البسكويت ومضغت ما تيسر من حبات الكاراميل ثم خرجت متبخترة مثقلة وهمت بالخروج عندما ناداها العم شعبان قائلا: هيا أسرعي لأقص عليك قصة الأسد والفأر.. فقالت له ضاحكة: أنا أعرف القصة كاملة يا عمي فقد قصصتها علي منذ سنوات عندما ناولتني الحلوى الشامية
شكرا على كرمك..
بعد مرور سنوات طويلة مازالت صاحبة الظفيرة السوداء تحافظ على نفس تسربحة الشعر ومازالت تتسمر مكانها وتفكر ملياً كلما حاول أحدهم تقديم الحلوى ومازالت تحمل نفس نظرات اليمامة الحذرة الراغبة بالقمح المدسوس وسط الكمائن.

بقلم بسمة الطهاري
من كان وأخواتها
تعليقات