جاءت مقطوعة الشاعر حمدي الروبي : ( أحبك سوريا ) حزينة مفعمة بالألم والحرقة ، معبرة عن صرخة مدوية من الأعماق ترسم الواقع الأليم ، و توالي الضربات المريرة على سوريا فكميَة الحزن والإحتراق ملأت قلبه آسى و لوعة فاستغاث بالله الملجأ الوحيد لها .
سوريا التي جسدها في صورة امرأة مكلومة أثقلت كاهلها المحن والازمات ، موظفا الفعل المضارع ( أحبك ) الدال على الاستمرارية فمهما تغيرت أوضاعها فحبه باق على عهده رغم تغير مراحل حياتها من فتية إلى جريحة إلى طريحة الفراش .
فلفظة فتية استعملها الشاعر للدلالة على الازدهار و الشباب وما تملكه من قوة وطاقة وحيوية وإبداع والمستقبل الواعد ، والذي تحول فجأة إلى خراب فهرمت وعجزت لأسباب عديدة ، كما وظف الشاعر كلمة جريحة وهي صفة ثابتة تعبر عن المفعول، ابرزت عمق الجرح والشرخ الذي احدث في الكيان ، فهي مصيبة لا ينبغي تجاهلها ولا نسيانها فكلما التأمت جدَت بالتذكر وقد اوردها الشاع بصيغة فعيل للدلالة على المبالغة والتمادي في الفعل ، وفي موقف اخر جاء بصفة طريحة وهي صفة ثابتة للمفعول من طرح ، أي ملقاة ومرمية لا حاجة لأحد بها ، متروكة لتواجه مصيرها لوحدها لا دواء ولا بلسم يعالج جراحها رغم تمسكها بالحياة.
والملاحظ أن هدف الشاعر من القصيدة هو ابداء اسفه وحزنه لما حل بسوريا من خراب على يد الانسان ثم يد الطبيعة ، فقد كان يراها يافعة تنعم بالاستقرار والهدوء والجمال ، وقد انعكست صوره الفنية لتبرز حجم المعاناة بألفاظ تتدفق مرارة و غصة من ذلك قوله ( جريحة ، طريحة ، الأنات ، الآهات، سكراتك ، عثراتك ).
قسم الشاعر مقطوعته إلى ثلاثة مقاطع تبتدأ كلها بنفس العبارة ( أحبك سوريا ) لتأكيد تعاطفه ومشاعره الفياضة تجاه ما جرى و ما يجري لهذا البلد الذي أضحى خرابا ودمارا . ففي المقطع الأول صورها شابة فتية مقبلة على الحياة هادئة ينعم زائريها بالآمان والجمال مفعمة بالأمل والتي دلت عليها لفظة ( الأنوار ).
وفي المقطع الثاني صورها متألمة جريحة وجسدها في مجموعة من الألفاظ منها ( يتراقص ) التي تبين نشوة العرب بآلمها وقد استبدل لفظة العرب بالأعراب للدلالة على القسوة والجفاء والأذية .
أما الفعل ( تتساقط ) يعني التتابع ومواصلة سقوط وتهاوي كل ما هو جميل حيث عبر الشاعر بالأزهار وهي كلمة تعج بالجمال والتنوع والخير والوفرة والخصوبة لكن تساقطها يدل على الجفاف والتقهقر والقحط المعتق بالوجع والشكوى والتأوه بصوت خافت لم يسمعه العالم ولم يلتفت إليه العرب. وفي المقطع الأخير عبر الشاعر بلفظة طريحة المصورة للحالة المزرية التي وصلت إليها سوريا بعد أن كانت فتية ، فالفعل ( يتغافل ) يعني التغاضي المتعمد عن الانتهاكات التي تتعرض لها سوريا فقلة تيقظ وانتباه المجتمعات العربية والدولية رسخ اللا إنسانية عن طريق ( العربان ) الدالة على قطاع الطرق المرتزقة الذين يتاجرون بدماء الشعوب وينتهكون حرياتهم و حرماتهم باسم الديمقراطية .
وفي اخر المقطع نجد الفعل ( تتزلزل ) للتعبير عن الشدة والقوة والجبروت والرج ورغم أن من يهتز هي الأحلام التي تكون هشة وضعيفة وجميلة والتي تصبو سوريا وترغب في تحقيقها. اختار الشاعر بحر الكامل ( متفاعلن ) فهو من أصلح البحور لإبراز العواطف كالحزن والغضب .
وقد ساهمت القافية في الإيقاع السريع وتصوير الحالة النفسية له فهو مستاء غاضب ومتألم لما حل بسوريا الخذلان الذي تعرضت له والكواث التي لحقت بها .كما ساهم التكرار ( احبك يا سوريا ) والذي يعد من اهم الظواهر الفنية والاسلوبية كالتوكيد على حب الشاعر فقد اعطاها من من روحه ومشاعره الكثير وأثبت بذلك حزنه الذي ينبع من رحم المأساة .
اختار الشاعرحرف الروي التاء المهموس الذي يلائم الاطار النفسي للشاعر ، فهو حزين تلامس مشاعره القلوب .
من ألوان البيان في النص المجاز المرسل في قوله (احبك يا سوريا ) والاستعارات المكنية (تتساقط الأزهار ) ( تتزلزل الأحلام ) وغيرها كما وظف رمز ( الأعراب ) الذي يرمز الى الهمجية والقسوة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق