يا شعراء العربية
تقفُ القصيدةُ اليومَ حِداداً لرحيلِ إحدِ أعمدتِها الشّاعر بدر شاكر السياب
في ٢٤/ كانون أول/ ١٩٦٤ .
شمسُ جيكور
جيكور
لدجلةَ غنّوا . . .
للنّيلِ رتّلوا . . .
لبردى صافحوا . . .
لكَ
جمعوا خضيلَ الشّعرِ باقةَ حُبّ . . .
أيُّها الصغيرُ بينَ الكبار
ولدتَ بحراً
فسقيتَ فرسانَ ضادِكَ حتى في أيام ٍ
ظمئَ فيها شطُّ العرب . . .
لبستَ ما يلبسون
غنمتَ ما غنِموا
وزدتَّ كيلَ بعير !
. . . . .
غُرفةُ الأنشودةِ الماطرة
كيفَ أباحوا لأنفسِهم أنْ يدخلوها دونَ سجدةِ شِعر ؟
جدرانُها مُشبعةٌ بأنفاسِ قصائدَ
توحّمتْ برطبٍ برحيّ
توتٍ أسودَ . . .
أثداءِ دالياتِ الكَرْم . . .
كانَ لا يدخلُها إلاّ رائحةُ الطّلع . . .
عصفوران يتسافدان . . .
فجرٌ مُتسلّلٌ من قبضةِ ليلٍ مخمور . . .
يتنفسُهُ قصيدةً
همَّ بها موْجٌ مُتصابٍ
ما كانتْ بغيّاً
لكنَّها ذهبتْ معهُ إلى الضّفةِ الأخرى . . .
عندما تَعشق القصيدةُ
تتعرّى . . .
. . . . .
جيكورُ
مرآةُ صباحِه
تقرأُهُ وجهاً مُنبعجاً بألآمِ الطّين
بأوجاعِ نازحٍ
تخرُمُ قلبَهُ الذّكريات . . .
انشطار
بينَ حبٍّ ضائعٍ في بغداد
وغرامٍ مُلتصقٍ بشناشيلِ البصرة . . .
يا ويحَ
مَنْ رفّتْ لهُ شعورُ غوانيه
ما حملتْهُ عطورُ نهودِهنَّ إلى الصّين . . .
أحرقَ زيتَهُ القَرويَّ ثوبٌ قشيب . . .
ما شاءَ أنْ يرى حولَهُ مشقوقَ لوز
نافرَ تفاح
فنناً
أسكرتْهُ ريحُ صِباه . . .
رُجَّ ما كان محبوساً تحتَ خجلِهِ الجنوبيّ
لينتهي كُلُّ شئٍ إلى لاشئ . . .
لسنَ كصويحباتِ ابنِ أبي ربيعة
يطوقنْهُ قمراً لا يخفى . . .
بغدادُ
أينَ رقةُ لياليكِ الألف ؟
أتضنين بما فوقَها مَرهماً لجروح ؟
. . . . .
إيهٍ
أيُّها العاشقُ ظلَّ نخيلِه . . .
المسافرُ برائحةِ السّعفِ المبتلِّ بحباتِ المطر . . .
لا لعينِكَ أن ْ يُغادرَها دمعُ الرّحيل . . .
تسكبُ حُزنَكَ شعراً
في أعماقِ طقوسٍ ممنوعة . . .
ما كنتَ تعلمُ أن َّ مركبَكَ الذي أبحرَ بلا أشرعة
يعودُ من دونِ ربّانهِ إلى مرفأِ المعقل *. . .
يختصرُ آلامَ الزّمنِ الخائب قافيةً
تيبّست على شفاهٍ
صبغتْها سكرةُ موتٍ في منازلةِ سيفٍ وقصَبة . . .
. . . . .
فيكَ
تناهتْ خيبةُ عشبةٍ بابليّة
حتى طرقتَ بابَ أيوب ِ النّبيّ . . .
هممْتَ أنْ تذهبَ للغفاريّ في عزلتِه
مُثقلاً بهمومِ وَطَنٍ
أحببتَهُ فضاءً
لا يحدُّهُ خيالُ افلاطون في مدينتِهِ الفاضلة . . .
لكنّهُ
أسفَاً
لم يمنُنْ عليكَ بقليلٍ من فيضِ رافديْه . . .
كنتَ صبوراً حينَ تَلَّكَ للذّبح
وما فَدّاك . . .
يا لعيون السّماءِ ترى
الأبناءُ يعقُّهم آباءٌ طيبون !
. . . . .
لستَ غريباً على الخليج
لكنْ
في نشيجِكَ تأوهاتِ وطن
تُمزّقُهُ رغائبُ ملوكٍ إذٌ يدخلونَ قرية توسّدت أحلامَاً بعينِ عاشق . . .
مَنْ لأنفاسِكَ المتقطّعةِ أنْ تَهَبُ لترابِ أُمِّكَِ سجدتَك الأخيرة ؟
الموتُ بعيداً دَيْنٌ لا يُوفّى . . .
حروفُ الرّثاء
لا تسدُّ ثقوبَ رِئةٍ عاشقة . . .
إنَّها طقوسٌ
تجمعُ غبارَاً بعدَ عاصفة . . .
وجهاً عن كذبِ أخوةِ البئرِ تشيح
ذلكَ حقّ
لولا أنَّ نزراً منهُ كانَ خفقةَ حبّ
لتغيّرَ مسارَ الألمِ الرّاقدِ على وسادةِ الشّفقةِ في مَشفياتِ الغُربة . . .
لكنَّ فحماًَ لا يرسمُ حمامةً بيضاء !
. . . . .
أوّاه
أبا غيْلان
اقتربَ ألم ُ برومثيوس من ذروتِه في روحِكَ المُتعبة
لم يسمعْكَ إلاّ الخليجُ صدىً
يبحثُ عن أُذن . . .
تنزعُ حزنَكَ الداكنَ على ساحلِهِ مرثيّةً
تُبكيكَ
ما بقيَ بيتُكَ الكبيرُُ يغرقُ في ظلام
أمسيتَ نسياً منسيّا
بجوارِ ابنِ سيرين الذي غمّهُ حلمُكَ المقبورُ معك . . .
. . . . .
انحدرتْ من رُبى جيكور شمس
تشربُ غروبَها الأخير . . .
أيُّها الرّاحلُ عبرَ صبرِ الأنبياء
أكذا ؟
في لحظةٍ
يتكوّرُ فيها العراقُ زفرةً
بعدَ شهقةِ احتضار . . .
هلآّ توانيتْ
فلَكَ شناشيلُ
قصائدُ
أمانٍ تحتَ شُرفةِ المطر . . .
أراكَ تُوصيها ليدٍ بحرقةِ قلبِ أُمِّ موسى تحتضنُ العراق !
. . . . .
وا حُزنَ منزلِ الأقنانِ حينَ يفتقدُ الضّياء
تنازعتَ مع البَقاء من غير شهود
في ليلٍ يَضيق
كما ضاقَ بروحِكَ العراق . . .
مطر . . .
مطر . . .
أحببتُهُ
أحبّكَ المطر . . .
سلاماً
حينَ شيّعَكَ وحدُهُ المطر !
عبد الجبار الفياض
كانون اول/ 2018
*إحدى مدن البصرة وميناؤها الأول.
تقفُ القصيدةُ اليومَ حِداداً لرحيلِ إحدِ أعمدتِها الشّاعر بدر شاكر السياب
في ٢٤/ كانون أول/ ١٩٦٤ .
شمسُ جيكور
جيكور
لدجلةَ غنّوا . . .
للنّيلِ رتّلوا . . .
لبردى صافحوا . . .
لكَ
جمعوا خضيلَ الشّعرِ باقةَ حُبّ . . .
أيُّها الصغيرُ بينَ الكبار
ولدتَ بحراً
فسقيتَ فرسانَ ضادِكَ حتى في أيام ٍ
ظمئَ فيها شطُّ العرب . . .
لبستَ ما يلبسون
غنمتَ ما غنِموا
وزدتَّ كيلَ بعير !
. . . . .
غُرفةُ الأنشودةِ الماطرة
كيفَ أباحوا لأنفسِهم أنْ يدخلوها دونَ سجدةِ شِعر ؟
جدرانُها مُشبعةٌ بأنفاسِ قصائدَ
توحّمتْ برطبٍ برحيّ
توتٍ أسودَ . . .
أثداءِ دالياتِ الكَرْم . . .
كانَ لا يدخلُها إلاّ رائحةُ الطّلع . . .
عصفوران يتسافدان . . .
فجرٌ مُتسلّلٌ من قبضةِ ليلٍ مخمور . . .
يتنفسُهُ قصيدةً
همَّ بها موْجٌ مُتصابٍ
ما كانتْ بغيّاً
لكنَّها ذهبتْ معهُ إلى الضّفةِ الأخرى . . .
عندما تَعشق القصيدةُ
تتعرّى . . .
. . . . .
جيكورُ
مرآةُ صباحِه
تقرأُهُ وجهاً مُنبعجاً بألآمِ الطّين
بأوجاعِ نازحٍ
تخرُمُ قلبَهُ الذّكريات . . .
انشطار
بينَ حبٍّ ضائعٍ في بغداد
وغرامٍ مُلتصقٍ بشناشيلِ البصرة . . .
يا ويحَ
مَنْ رفّتْ لهُ شعورُ غوانيه
ما حملتْهُ عطورُ نهودِهنَّ إلى الصّين . . .
أحرقَ زيتَهُ القَرويَّ ثوبٌ قشيب . . .
ما شاءَ أنْ يرى حولَهُ مشقوقَ لوز
نافرَ تفاح
فنناً
أسكرتْهُ ريحُ صِباه . . .
رُجَّ ما كان محبوساً تحتَ خجلِهِ الجنوبيّ
لينتهي كُلُّ شئٍ إلى لاشئ . . .
لسنَ كصويحباتِ ابنِ أبي ربيعة
يطوقنْهُ قمراً لا يخفى . . .
بغدادُ
أينَ رقةُ لياليكِ الألف ؟
أتضنين بما فوقَها مَرهماً لجروح ؟
. . . . .
إيهٍ
أيُّها العاشقُ ظلَّ نخيلِه . . .
المسافرُ برائحةِ السّعفِ المبتلِّ بحباتِ المطر . . .
لا لعينِكَ أن ْ يُغادرَها دمعُ الرّحيل . . .
تسكبُ حُزنَكَ شعراً
في أعماقِ طقوسٍ ممنوعة . . .
ما كنتَ تعلمُ أن َّ مركبَكَ الذي أبحرَ بلا أشرعة
يعودُ من دونِ ربّانهِ إلى مرفأِ المعقل *. . .
يختصرُ آلامَ الزّمنِ الخائب قافيةً
تيبّست على شفاهٍ
صبغتْها سكرةُ موتٍ في منازلةِ سيفٍ وقصَبة . . .
. . . . .
فيكَ
تناهتْ خيبةُ عشبةٍ بابليّة
حتى طرقتَ بابَ أيوب ِ النّبيّ . . .
هممْتَ أنْ تذهبَ للغفاريّ في عزلتِه
مُثقلاً بهمومِ وَطَنٍ
أحببتَهُ فضاءً
لا يحدُّهُ خيالُ افلاطون في مدينتِهِ الفاضلة . . .
لكنّهُ
أسفَاً
لم يمنُنْ عليكَ بقليلٍ من فيضِ رافديْه . . .
كنتَ صبوراً حينَ تَلَّكَ للذّبح
وما فَدّاك . . .
يا لعيون السّماءِ ترى
الأبناءُ يعقُّهم آباءٌ طيبون !
. . . . .
لستَ غريباً على الخليج
لكنْ
في نشيجِكَ تأوهاتِ وطن
تُمزّقُهُ رغائبُ ملوكٍ إذٌ يدخلونَ قرية توسّدت أحلامَاً بعينِ عاشق . . .
مَنْ لأنفاسِكَ المتقطّعةِ أنْ تَهَبُ لترابِ أُمِّكَِ سجدتَك الأخيرة ؟
الموتُ بعيداً دَيْنٌ لا يُوفّى . . .
حروفُ الرّثاء
لا تسدُّ ثقوبَ رِئةٍ عاشقة . . .
إنَّها طقوسٌ
تجمعُ غبارَاً بعدَ عاصفة . . .
وجهاً عن كذبِ أخوةِ البئرِ تشيح
ذلكَ حقّ
لولا أنَّ نزراً منهُ كانَ خفقةَ حبّ
لتغيّرَ مسارَ الألمِ الرّاقدِ على وسادةِ الشّفقةِ في مَشفياتِ الغُربة . . .
لكنَّ فحماًَ لا يرسمُ حمامةً بيضاء !
. . . . .
أوّاه
أبا غيْلان
اقتربَ ألم ُ برومثيوس من ذروتِه في روحِكَ المُتعبة
لم يسمعْكَ إلاّ الخليجُ صدىً
يبحثُ عن أُذن . . .
تنزعُ حزنَكَ الداكنَ على ساحلِهِ مرثيّةً
تُبكيكَ
ما بقيَ بيتُكَ الكبيرُُ يغرقُ في ظلام
أمسيتَ نسياً منسيّا
بجوارِ ابنِ سيرين الذي غمّهُ حلمُكَ المقبورُ معك . . .
. . . . .
انحدرتْ من رُبى جيكور شمس
تشربُ غروبَها الأخير . . .
أيُّها الرّاحلُ عبرَ صبرِ الأنبياء
أكذا ؟
في لحظةٍ
يتكوّرُ فيها العراقُ زفرةً
بعدَ شهقةِ احتضار . . .
هلآّ توانيتْ
فلَكَ شناشيلُ
قصائدُ
أمانٍ تحتَ شُرفةِ المطر . . .
أراكَ تُوصيها ليدٍ بحرقةِ قلبِ أُمِّ موسى تحتضنُ العراق !
. . . . .
وا حُزنَ منزلِ الأقنانِ حينَ يفتقدُ الضّياء
تنازعتَ مع البَقاء من غير شهود
في ليلٍ يَضيق
كما ضاقَ بروحِكَ العراق . . .
مطر . . .
مطر . . .
أحببتُهُ
أحبّكَ المطر . . .
سلاماً
حينَ شيّعَكَ وحدُهُ المطر !
عبد الجبار الفياض
كانون اول/ 2018
*إحدى مدن البصرة وميناؤها الأول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق