مقالات في رمضان
الشبهة في آيات القرآن الكريم
................................................
ويبقى الذين زعموا بأن الله سبحانه لم يبعث بشراً رسولا يختم برسالته الدين الحق ويبشر الناس بالاسلام ويعلمهم الكتاب والحكمة ، يبقى هؤلاء يشككون بما انزله الله سبحانه هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان .
و لابد هنا ان نشير الى ان القرآن الكريم نزل موافقا للهجات قبائل العرب التي كانت لكل منها وجه من اوجه اللسان في اللغة العربية ، ولم يجدوا فيه عوجا او لحنا يخالف كلامهم وهم اولى بغيرهم ( اي المشركون ) ان يعترضوا على ما جاء فيه لو انهم وجدوا فيه ما يخالف لغتهم وصياغة قواعد تخاطبهم وكلامهم ، وانما بالعكس تماما حيث انبهروا بفصاحته وجزالة معانيه وقوة بيانه وسحر صياغته حتى قال افصحهم على لسان الوليد بن المغيرة ( فوالله ، مامنكم رجل اعرف بالاشعار مني ، ولا اعلم برجزه ولا بقصيده مني ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، ووالله ؛ ان لقوله الذي يقوله حلاوة ، وان عليه لطلاوة ، وانه لمثمر اعلاه ، مغدق اسفله ، وانه ليعلو ولا يعلى ، وانه ليحطم ما تحته ) .
فجاء اساطين كفَرَتِهم واحبار لغاتهم بما يظنون كذبا ان في آيات الله وكتابه الكريم عوجا يحاجون بِهِ دعوة النبي الخاتم (صَل الله عليه وسلم )وهو الكتاب الذي انزل بلغة العرب وبين ظهرانيهم وفيهم من البلاغة والجزالة ما فيهم من الريادة والقول والفصاحة آنذاك ، فلم يجدوا فِيهِ من عوج او زيغ حتى وصل بعد اكثر من قرن من بعثة الصادق الامين الى من يحاجج فِيهِ ويذكر فِيهِ من ميل او التواء وهم لايزالون برغم اعجاز الكتاب الكريم لا ينفكون من تكذيبهم .
ولعل بما وسع الله فينا والهمنا من فضله ان نذكر ما جاء في بعض من هذه الحجج عسى ان تنفعنا ومن آتاه الله البيان والحكمة وشرح صدره للاسلام ان يتعلم منها ويُذَّكر بها غيره ويقرأ من اياته البينات وما جاء فيها من يقين ( الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولَم يجعل له عوجا ).
واعود لأقول قبل ان استعرض بعضا من هذه الحجج المزعومة ، ان الله سبحانه وتعالى انزل كتابه الكريم ليعجز به الناس جميعا فخاطبهم على لسان نبيه الكريم (صل الله عليه وسلم) في كتابه :
" وأن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دونه ان كُنتُم صادقين " .
وهنا اشير الى بعض ما اشتهر في اعتراضهم عليه ومخالفته لقواعد اللغة العربية التي كتبها البشر بعد قرون من نزول القرآن الكريم ، وهي حجة عليهم لا يمكن للبشر ان يحيطوا بكل جوانب النص القرآني المطلق .
فقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحج :
"هذان خصمان أختصموا في ربهم" ، وقيل نزلت في حمزة وصاحبيه يوم بدر رضي الله عنهم ، فأنه على قاعدة اللغة العربية راح المشككون بدعوى ان المخاطبين مثنى وان خبر المثنى يخبر بمثنى مثله ، بينما جاء ما بعده بصيغة الجمع اختصموا ، فيكون الرد بأن العرب وهم الفصحاء ، الشعراء ، الخطباء والبلغاء كما زعمتم اولى الناس في جنس ما برعوا بِهِ وقد نزل القرآن بين ظهرانيهم ان يعترضوا ويشككوا في صحة بيانه ، فالعرب عندهم المثنى نوعان ، مثنى حقيقي وهو كل ماله مفرد مِثلَ ( رجل ، استاذ وعامل ) ، ومثنى لفظي وهو كل ماله مفرد مِثل (طائفة ، كتيبة و خصم ) واجازوا العرب الجمع للمثنى اللفظي مراعاة الى المعنى باعتبار ان ( الخصم ) هي جماعة مثلها مثل الطائفة والكتيبة التي ترد في لفظها امة كبيرة لا تخص المفرد .
وقول الله سبحانه وتعالى في سورة طه :
" إن هذان لساحران "
وفي قراءة حفص المشهورة والمثبتة وهي واحدة من عدة قراءات للقرآن الكريم جاءت ان المخففة هنا بمعنى (ان النافية) ، اي ما هذان لساحران واللام في ساحران تسمى ( اللام الفارقة) فيما جاءت ، انَّ هذين لساحران قراءة في جانب من اللغة وهي اللغة العبرية التي استخدمها الساميون بمعنى نعم على لسان فرعون وهو يخاطب قومه في سيدنا موسى واخيه هارون (عليهما السلام) ، وبهذا ف "انَّ " تأتي بمعنى نعم في العربية كقول الشاعر :
بَكر َ العواذلُ في الصباحِ يلُمنَني وألومُهنَّهْ
وتَقُلنَ شَيبٌ قد عَلاكَ وقد كَبرتَ فقلتُ أنَّهْ
والهاء في الومُهنَّ بالشطر الاول وأنَّ في الشطر الثاني هاء السَكت التي تَأتِي عند نهاية الكلام ، كقول الله سبحانه وتعالى "فَبهداهُمُ أقتَدِه" ، وكما جاء في قول عبد الله بن الزبير لأعرابي جاءه بطلب فردّه ، فقال الاعرابي :
لعن الله ناقةً حملتني اليك ، فقال ابن الزبير :
أنَّ وراكبها .
فأنصرف الاعرابي وهو ( فضالة بن شريك الاسدي ) وهو يقول :
أقول لغلمتي شدوا ركابي
افارق بطن مكة في سواد
من لي حين اقطع ذات عرقٍ
الى ابن الكاهلية من معاد
وقيل ان الكاهلية احدى جدات ابن الزبير ، اي ان معناها نعم وهي لغة يمانية مشهورة ، وقد حمل قوم عليها ان في قول الله عز وجل "ان هذان لساحران " فقالوا : المعنى نعم .
والعرب عموما ، تتصرف باللغة ولفظها بدلالات تبدو للسامع انها خارج قياس القاعدة والنهج ، فلا يجوز لَنا ان نحكم على لفظ يأتي بغير لغة قريش التي نزل فيها القرآن الكريم ، والقرآن انزله الله تعالى عربيا شاملا وجامعا لقرى وقبائل العرب ، ولعلنا نرى دليلا في قول الله سبحانه وتعالى ( إن تَتوبا الى الله فَقَد صَغَت قُلوبُكُما) فالعرب ان ارادت ان تثني شيئا لا يتكرر مِثلَ القلب والانف والرأس فانها تستخدم صيغة الجمع ، فالوارد هنا قلوبكما بدلا من قلبيكما فجعل القلبين قلوبا وهو جمع تكسير في قاعدة اللغة واعرابها .
كذلك في حديث النبي ( صَل الله عليه وسلم ) وهو يخاطب صاحبيه سيدنا ابو بكر وعمر ( رضي الله عنهما) وهو يصادفهما في نهار قائظ شديد ، خارجين من بيوتهما ( ما اخرجَكُما من بيُوتِكُما هذه الساعة )والبيت هنا مفرد لايتكرر مثله ، وبيوت هي جمع جاءت بمعنى المثنى ولو كانت بيتِكُما لجاءت صعبة على اللسان .
ولو اردنا ان نخوض في ما جاء بِهِ المشككون في لفظ القران وقواعد تنزيله لوجدنا المئات من هذه الصور التي يتعذر علينا في هذا المقال الخوض فيها ، ولكن القارئ يستطيع ان يتبحر في علم اللغة وتفسير معاني القرآن الكريم حيث يريد من خلال القنوات العلمية العديدة التي تفصِّل وتشرح كل التباين الذي ظن المشككون عدم توافقها مع لغة القران والتنزيل ، وَما قول الله سبحانه وتعالى الا ردا شافيا وقاطعا لسلامته من اي ظن او شك او تحريف ، حيث قال تعالى :
( يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون ).
اتمنى ان اكون قد اجزت بما اسلفت شيئا بما سمح بِهِ المقال للرد على بعض من هذه الشبهات ، والحمد لله الذي اتم بفضله هدانا ورضي لَنا الاسلام ديناً وبنبيه الخاتم رسولا وبكتابه الكريم حجة وبرسالته نهجا ومعتقدا ، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
......................................................................
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق