ما أصعب الوفاء على قلوب تعودت على الخيانة ، و على الانتقال هنا و هناك . فلا يعلم مرارة الخيانة إلا من بالغ في ممارسة الوفاء . يكون لديك الف صديق و فجأة تكتشف أن ظهرك أصبح مكشوفا ، فقد تساقطوا جميعا و تركوك وحدك للعواصف ، و مع أنك حتى لم تفكر يوما ما في التخلي عن أحدهم أو إحداهن ، لكنك تجد من يموت عشقا في خيانتك و التخلي عنك . يعتقدون أن الخيانة تبدي مدى قوتهم و شراستهم ، لأنهم لا يعلمون شيئا عن عالم الأوفياء ، لا يعلمون شيئا عن القوة الحقيقية التي تجعلك وفيا و صامدا متمسكا بهم لآخر نفس ، بل إنهم قد يعتقدون أن لك في ذلك منفعة و مصلحة ، هكذا هي عقولهم أصحاب المصالح ، ربما هي صفات
تتناقلها الجينات عبر أجيال الخونة ، كما تتناقل صفات الوفاء بنفس الطريقة . و كم يجيدون تقمص أدوارهم الخبيثة ، لكن الأيام ما تفتأ تفضحهم و تعريهم . و يبدأ الوفاء من صاحبه لذاته أولا، لما تربى عليه و تلقنه و هو في طفولته و صباه ، وفاء للذات ، للقيم ، للوالدين ، للوطن ، لكل ما يستحق ذلك . و سوف يبقى الوفاء عدو الخيانة إلى الأبد ، كما ستبقى الخيانة ملازمة للخونة إلى الأبد ، فلا بأس إذن إن كان ما نتعرض له مجرد دروس تعلمنا و توعينا و توقظنا من السبات الذي بقينا نغط فيه مدة طويلة ، سبات الثقة من جهة و الوفاء من جهة أخرى . لن تختفي صفة لحساب الأخرى لا أبدا ، سوف تبقى كفتي الميزان في تأرجح مستمر ، فهكذا يضمن الكون توازنه من خلال تساوي المتناقضات و تواليها على الدوام خلف بعضها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق