من يبيعني قلبا من الصخر..بقلم د.نجية الشياظمي

كم أتوق  كم أود و كم أتمنى ، أن يصبح قلبي صخرة صماء ، لا تحس ، لا تتكلم و لا تسمع و لا تتألم ، ترى الدموع قطرات من الماء ، و الجروح قطرات من الدماء ، و ماذا بعد إن كان من يبكي يبكي أو من يتألم يموت ؟ ما بيدي أنا ؟ و ما شأني انا ؟ و منذ متى كان أحدهم يهتم لشأني فأحس بدين علي من جهته ينتظر مني أن أسدده ، منذ متى كانت القلوب تحس ببعضها قبل أن تحس بنفسها ؟؟؟

كم كنت أبذل من الجهد لأواسي و أدعم و أساند . كم كنت أتعب معهم و ربما أكثر منهم ، لكنني الآن أصبحت لا أبالي إلا بمن يبالي ، بمن يهتم لحالي ، بمن يحس بما يعتري أوصالي ، 

ليس عيبا و لا خطأ أن نعطي الأولوية لأنفسنا أولا ، أن نلتفت لها قبل كل شيء و قبل كل شخص . كان أكبر خطأ حينما لم نروض مشاعرنا على التكيف مع الظروف و المواقف ، تارة قوية شرسة ، و تارة أخرى رقيقة مفترسة ، فكم من المشاعر الرقيقة تفترس أكثر من القوية القاسية ، ففي كل قوة ضعف و في كل ضعف قوة . توازن لا مثيل له ، و لا يحققه إلا مبدع الخلق .

تربينا وسط أسر تعتبر كل العالم عائلة واحدة ، فلا خوف على الأخ من أخيه أو أخته ، لكننا حينما خرجنا للعالم الحقيقي ،  وجدنا أنفسنا في عالم غير الذي ألفناه ، بين أناس غير الذين تربينا معهم ، غير الذين كنا نعرفهم حق المعرفة ، وجدنا أنفسنا في عالم غريب مخيف ، و مهما حاولنا التكيف معه نجد أنفسنا ضعفاء عاجزين ، فهذا يحتاج الكثير من الوقت و الجهد . نحتاج أن ندرب أنفسنا من جديد على أخذ الحيطة و الحذر ممن قد يؤذونا في لمح البصر ، ممن يمثلون علينا و نحن لا ندري حقيقة مشاعرهم تجاهنا . نتعرض للكثير من التجارب الجديدة و نتعلم و نربي أنفسنا من جديد ، و كل هذا لأن قلوبنا تربت على الرقة و العطف و الحنان ، ينقصها النضج و التوازن و الاستقرار ، قلوبنا تحتاج إلى تربية جديدة ، إلى ترويض ، تعودنا أن نسمع عن ترويض الاحصنة و الأسود و كل الحيوانات المتوحشة ، لكن الترويض قد لا يقتصر على تهدئة و ضبط الشراسة ، بل قد يتطرق إلى تدريب الأكثر لطفا كي يتعلم القوة و الشراسة ، و أحيانا أخرى الافتراس أيضا دفاعا عن النفس ، فهذا حق مشروع للجميع .