عنوان مستفز ؟ أليس كذلك ؟ لكنها حقيقة قانونية و مشرعة في فرنسا بعد تشريع قانون المساعدة على الموت مؤخرا و من أيام ، و بعدما كان يجرٌٓم أي شخص يمد المساعدة من أجل الموت لأي مريض يئس من شفائه و تعب من المعاناة و التحمل ، أصبح الآن يجرٌٍم كل من يمتنع على تقديم المساعدة . و هكذا بين عشية سنين و ضحاها ، أصبح القانون يمشي بالعكس . و لا عجب في ذلك ، فبلاد فرنسا بلاد الديموقراطية و الأخوة و المساواة . لكن هذا ما تم تشريعه فعلا . قد يبدو الأمر نوعا ما قاسيا ، لكن الأمور القاسية هي ما تجعل الإنسان يتغير و يغير الحياة معه .
و لا زلت أتذكر بخصوص نفس الموضوع ، و خلال شهر رمضان لهذه السنة ، تمت برمجة نفس الموضوع ضمن سلسلة "سين سؤال" للكاتب و الإعلامي السعودي المعروف أحمد الشقيري . و طبعا الحلقة لم تكن تدعو للمساعدة على الموت ، لكنه تناول خلالها هذا الموضوع الشائك لكن بشكل مختلف ، حيث تعرض له من خلال سؤال يطرحه على المشاهد : ماذا لو بعد انتظار طويل لمريض من أهلك طال بقاؤه تحت الأجهزة الطبية دون أن يتماثل للشفاء ؟ فقرر الأطباء استشارة الأهل و تخييرهم بين الاحتفاظ بالمريض تحت الأجهزة التي تساعده على البقاء على قيد الحياة ، او نزعها ، رغبة في انهاء معاناة المريض و معاناة أهله . ماذا كنت ستقرر ؟ و فعلا كانت الحلقة جد مؤثرة لأنها تناولت موضوعا في غاية الحساسية ، ما جعل المشاركين في الحلقة- و كان ضمنهم شباب و شابات- يبكون من شدة التأثر ، و منهم من رفض فعل ذلك مهما كلفه الأمر ، و منهم من تردد في إتخاذ القرار الصعب ، لكن صاحب البرنامج "الأستاذ أحمد الشقيري "كان مقنعا في تحليله للموضوع و تسليط الضوء عليه بشكل جد مناسب ، حيث حكى على تجربة عاشها و كانت من نفس النوع ، حينما كان عمه في نفس الوضع ، بعدما تعرض لأزمة صحية ، أرغمته أن يكون تحت الأجهزة الطبية لضمان بقائه على قيد الحياة ، و نظرا لامكانياته المادية ، استطاع أهله أن يوفروا له شبه مستشفى في البيت مع ممرضة خاصة به كانت تراعيه و تعطيه الدواء كما لو كان في المستشفى ، و كان المريض لا يصحو من غيبوبته سوى حوالي ساعة كل يوم ، لا يستطيع أن يقوم خلالها بأية حركة و لا حتى أن يكلم أهله الذين كانوا يلتفون حوله دون أن يتفاعل معهم ، ثم بعدها يتركونه حينما يعود لغيبوبته ، و استمر الحال كما كان يحكي احمد لأربع سنوات دون أي تحسن . معاناة حقيقية للمريض و لأهله ، فلا هو تشافى من علته و لا هو استسلم للموت و أرتاح ، وضع جد محزن و محرج في نفس الوقت ، لدرجة أن السيد أحمد نفسه بكى و هو يحكي الحادثة ، و كان يتكلم بكل اقتناع مما عاينه و عايشه . لدرجة أن الخلاصة التي استنتجها و التي كانت في شكل وصية من طرف أبيه أوصى بها أبناءه ، و هي رفضه أن يوضع تحت أي أجهزة طبية مهما كان في حال أي أزمة أو تدهور صحي حدث معه و لا أمل في الشفاء منه . و خصوصا بعدما تأكد من أن القرار في البداية مهما كان صعبا لن يكون أصعب منه في النهاية ، و بعدما يعلن الأطباء ألا جدوى من الأجهزة و أن المريض مهما بقي في تلك الظروف لا أمل من عودته كما كان سابقا ، لإنه سيبقى في حالة شبه وفاة ، و ما على أهله إلا أن يقرروا نزع الأجهزة كي يموت المريض و يرتاح ، بدل تعبه و تعب أهله بالإضافة إلى التكاليف المادية الباهظة التي يتحملونها . كما أنه قد يكون هناك مريض هو أحوج إلى ذلك السرير . موقف جد مؤلم و حزين و لا أحد بتمنى أن يكون فيه . هكذا تذكرت هذا اليوم ، كل ما جرى و ما تم بثه من خلال تلك الحلقة المميزة و القوية ذلك اليوم ، حينما تذكرت القانون الفرنسي الجديد و الذي تمت الموافقة عليه مؤخرا و بعد جدال طويل دام لسنوات . أحيانا تجبرنا الظروف على اتخاذ قرارات صعبة ، لم تكن تخطر لنا على بال و لم نكن نفكر فيها يوما ما . لست أدري ما الذي يجعلنا نستبعد أشياء كثيرة لمجرد أننا نرفضها ، و نرفض أن تحدث لنا .
نجية الشياظمي تكتب: حينما تختار متى تموت
تعليقات