ما أجمل الأمومة ، و ما أجمل تلك الأحاسيس المركزة. القوية ، و التي تنشأ بين الأم و وليدها منذ إحساسها الأول ، بأن في أحشائها كائنا جديدا يتكون و على وشك الوصول الى عالمها ، حيث تتمسك به ، ترضعه و ترعاه و تحميه و تعطيه أقصى ما تملك ، و ما لديها من كل شيء .
هكذا كأمهات نتخيل و نبرمج أنفسنا بل و نأخذ عهدا على أنفسنا بألا نؤذي أحبتنا كما تأذينا ، و ألانؤلم كما تألمنا ، و فجأة و دون سابق إنذار و مع ضغوط الحياة و متطلباتها ، نجد أنفسنا ، نؤذي و نعنف و نضرب و نعاقب ، و كأننا لم نعد نتذكر تلك الوعود التي وعدنا بها أنفسنا ، بألا نكرر مأساتنا كأبناء حينما كنا صغارا تحت رعاية والدينا ، يطغى علينا اللاشعور و ذكرياتنا السوداء ، فتعمى قلوبنا قبل أبصارنا نحو أبنائنا و من هم أغلى و أثمن ما نملك في هذه الحياة . و هكذا كبرنا نحن أيضا و دفعنا الثمن غاليا ، لا لسبب سوى أنه كان من قدرنا أن نوجد في أسر تجهل فن التربية. و تمارس ما تعلمته و ورثته ممن سبقها في ذلك و مارس عليها كل أنواع التخلف و القسوة . و في الوقت الذي نجد فيه أناسا وعوا حينما كبروا لما مورس عليهم ، و ما تعرضوا له من أذى و تدمير . فاشتكوا واعترضوا و لاموا من عرضهم لذلك ، و كان سببا في حرمانهم و في تعاستهم و جرحهم ، في نفس الوقت الذي نجد فيه و في الجانب المقابل لهم أناسا يقدسون مربيهم و يعتبرون أنفسهم عبيدا لهم ، و رغم معاناتهم يدعون السعادة ، و الجنة في كنف و تحت أقدام من تعسفوا عليهم و بكل رغبة و إرادة و قدرة و قوة ، بل و حتى بعد أن أصبحوا كبارا و بالغين . من الطبيعي أن يصرخ الإنسان حينما يتألم ، و ألا يكتم أوجاعه مهما حاول ، و نحن كبشر محدودي طاقة التحمل ، من حقنا أن نصرخ و نبكي و ننادي أننا لم نعد نستطيع التحمل أكثر ، و أن طاقة الصبر قد نفدت و أنه قد حان أوان المصالحة و التسامح بعد الاعتذار و رد الاعتبار ، و لأن ما نعيشه صغارا يترك فينا آثاره و جروحه التي لا تندمل بسهولة ، بل و قد تسبب انكسارات يصعب الشفاء منها و أحيانا يستحيل . لذلك أنادي الأم التي تعتقد نفسها ملاكا ، و التي تستمر في أذى أبنائها حتى بعدما يصبحون رجالا و نساء ، أناديها و أطلب منها أن تتواضع و تعتذر لأبنائها حينما تدرك أنها أوجعتهم كي تتم المصالحة و شفاء الجروح و النفوس . لان التكبر و العناد لن يزيد الوضع إلا سوءا.