الهاتف العتيق في الصالة بجوار النافذة مباشرة علي منضدة سطحها من زجاج . وإلي جواره آنية بها ورود ذابلة ..
كانت تدور حوله ببطء شديد وتخبط علي قدميها بيديها ، ترفع السماعة ثم ما أن تشرع في كتابة الرقم حتي تضعها في سرعة .
تقول :
ـ لا . لن أتصل . يجب أن يتصل هو ..
كانت امرأة عجوز في نحو السبعين . قصيرة للغاية وظهرها منحني .. جلست أخيرا علي الأنتريه القديم المتهالك . تحسست قدميها في ألم ، وتمتمت :
ـ هو من يجب أن يبادر بالاتصال . أنا أمه .. وطوال شهر لم يسأل عني . أذا مت كيف سيعرف أذن ؟!
نظرت إلى الهاتف ثم زمت شفتيها وقامت مجددا نحوه .
قالت في يأس :
ـ لا مفر . لو انتظرت سنة فلن يتصل هو أبدا ..
طلبت الرقم . كتبته بصعوبة وهي تتبين الأرقام ببصرها الضعيف . سمعت صوتا علي الخط الآخر .
قالت في سرعة :
ـ كيف حالك ؟ وكيف حال الأولاد ؟! ... الحمد لله .. أين هو ؟! .. غير موجود : أم نائم ولا يرغب أن توقظيه ؟!
ثم همست :
ـ أم أنه إلى جوارك ويرفض أن يرد علي ؟!
ها .. أخبريني هل هو بخير ؟! ... أبلغيه أنني أسأل عليه وهو لا يسأل عني ... قولي له أني كبرت ولم أعد حتي أستطيع كتابة رقم هاتفكم ...
ثم أنصتت لبرهة وصاحت :
ـ مشاغل .. مشاغل .. دائما مشاغل .. أية مشاغل تمنعه من الاطمئنان علي ؟! أسمعي قولي له أنني لن أتصل به ثانية أذا أستمر لا يسأل عني .. ها .. طيب .. مع السلامة .
ثم استدركت في سرعة :
ـ ها .. سلمي علي الأولاد .. وعليه .
وضعت السماعة . عادت لمكانها علي الأنتريه وتحسست قدميها مجددا .
قالت :
ـ لقد أبلغتني أنه حين يرجع من عمله سيتصل بي . طيب . أتمني أن يفعل . وألا يتجاهل كما فعل في المرات السابقة ..
ثم أسندت رأسها إلى الكرسي .. وأتاها النوم فجأة كما العادة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق