يأبى الزمن إلا أن يتشبث بأسماله البالية ، و يتحمل قساوة البرد ، وقيظ الحر حينما يأبى المجتمع إلا أن ينظر بعين واحدة حتى و لو كان لا يرى إلا نصف الحقيقة فقط . أمور كثيرة تتغير ، و أخرى أكثر لكنها لا تتغير ، تبقى على عهدها
كقطعة أثاث فقدت رونقها و بريقها مع مرور الزمن عليها ، و الكل يتجنب منظرها الغير جذاب ، لكن لا أحد يجرأ على زحزحتها من مكانها ، و تغييرها بأخرى جديدة أجمل و أفضل. ربما جل أثاث المجتمع العربي قد بلي و مر عليه الكثير من الزمن ، لكننا مستمتعين بالحفاظ عليه و التمسك به ، فعار و عيب علينا أن نخالف ما كان عليه الآباء و الأجداد ، مهما تسبب لنا ذلك في الكثير من العناء و التعب ، فهذا هو الإخلاص الأعمى حتى و لو كان على حساب تعثر السير و السقوط في الهاوية .
أعراف كثيرة و تقاليد متعددة نجرها معنا رغم ثقلها، و نحن في قمة الفخر و الاعتزاز ، معلنين الولاء لكل ما لا يمت إلى التطور و التحسن بصلة .
نعيب على الرجل فراغ جيبه وولا نعيب عليه فراغ عقله ، و نعيب على المرأة طلبها للطلاق و رفضها للظلم و التعسف و لا نلوم على الرجل ظلمه و استبداده ، نلوم على الكبير في السن رغبته في التعلم و لا نعيب عليه جهله و أميته ، نعيب على الفتاة التي تكمل تعليمها و تطلب الاستقلالية المادية و ترفض الزواج ، و لا نعيب على الأب الذي يغصب ابنته على الزواج مقابل تخليها على الدراسة ، و نعيب على كذا و كذا و القائمةطويلة....
كل هذا نعيب عليه و لا نعيب على أنفسنا و لا نسائلها عن أسباب انحطاطنا ، واستمرارنا في هذه الدوامة ، حتى أصبح شبابنا يفضل الموت في عرض البحار و المحيطات رغبة منه في البحث عن أجواء أكثر نقاء و جودة من أجل العيش الكريم ، فلا أحد يرضى العيش فيما لا يساير الزمن و القيم في نفس الوقت ، فهذه ليست دعوة للانسلاخ عن تاريخنا و ثقافتنا
و لكنها دعوة لدمج الأصالة بالمعاصرة مع الأخذ منهما كلما يحقق قيمة مضافة للمواطنين و الأوطان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق