.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

إرادة امرأة..قصة قصيرة..بقلم الكاتب بن عمارة مصطفى خالد



(آه،يا أماه)،صرخة خرجت من فاه سلمى،كطلقة سجينة من جوف مدفع،صرخة تزلزل لها صدرها بعد أن وارت أمها الثرى،وارت معها صديقة،قدوة،أخت.سلمى فتاة في الثالثة عشرة ربيعا،و ها هي ذي تلوح للربيع مغادرا لزمن الاخضرار والابتسام و تفتح يديها الصغيرتين الجميلتين لاحتضان فصل القر و العبوس.لسلمى أخ يصغرها بخمس سنين و أخت صغرى في الثالثة من العمر ما زالت تلوك الكلم،كان والدهم لا يزال شابا في عقده الرابع أو يزيد بسنين قليلة،يحب أولاده حبا جما،أما زوجته الراحلة فكانت ماسة في قلبه لا تقدر بثمن فبعد وفاتها تركت له عوالج لا تعالج،و أولادا ما زالت جرابهم ترتجي ملأها بالحنان بعد،فرمى بحمله كله على ابنته الكبرى سلمى التي جعلت من حضنها منبع حنان لأبيها من جهة و لإخوتها من جهة أخرى،خاصة بعد عزوف رب الأسرة على الزواج من امرأة غير أمهم،فكانت أما لإخوتها و خادمة لأبيها.لسلمى حلم بداخلها مذ أن كانت تداعب آلة الخياطة مع أمها و هو أن تكون مصممة فساتين،و لكنه بقي مجرد حلم ما دام لم يمتزج بالدراسة و التعلم و هي قد طلقت المدرسة بعد دخول ذاك الشتاء القاسي،فلم يفارقها بل كان ينمو داخلها كالجنين.و جاء الموت ممتطيا حصانه الأسود و أخذ رب الأسرة و رحل في ليلة ليلاء عجت بالألم و النواح،و صارت سلمى أبا أيضا إذ كانت تعول إخوتها من كدها و مكوثها أمام آلتها الراتقة لا تبرحها إلا قليلا.و مر العمر على قارب يسير الهوينى لم تحس به سلمى إلا يوم زواج أختها الصغرى،و سفر أخيها إلى بلد الغربة لإكمال دراسته،ففرغت الدار إلا من الذكرى و حلم بقي يزورها حين انقطع عنها الإخوة الأولاد،فقررت أن تجعله حقيقة،فطفقت تدرس و تدرس مكبة على الكتب و آلة الخياطة،و إذا بها كذلك حتى شاهدت في إحدى المجلات معرضا للأزياء صدفة فأخذت صورا لما رتقته في بيتها و ذهبت إلى ذلك المعرض فالتقت ببعض العارضين،فأرتهم تلك الصور فذهلوا،لما رأوه فطلبوها للعمل معهم،و ها هي اليوم و رغم كبر سنها تنعم بطي عمرها بعدما دفن الإخوة الأولاد العاقون شبابها في أرض النسيان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق