حكم أحد القضاة في بريطانيا يدعى ريموند دين؛ ببراءة شاب ألماني اِتهمته سكرتيرته باغتصابها بناء على كلام المحلفين والشهود الذين أكدوا أنها هي من استدرجته إلى غرفتها. وبرّر حكمه النهائي بعبارة شهيرة ومثيرة للجدل حوّلته إلى “سيبل” لا تخطؤها سهام الأحزاب والجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة قال فيها: “إن المرأة عندما تقول لا لإكمال العلاقة الحميمية في بعض الحالات تعني العكس أي نعم لإكمالها” وما أشبه كلام القاضي ريموند بكلام الشاعر العربي القائل يتمنّعن وهنّ الراغبات.
لاشكّ في أن التحرش والاغتصاب؛ ومقابله الإستغصاب من أبشع وأحقر السلوكيات التي يمكن أن يسقط فيها وبها الإنسان، وهي في نفس الوقت من أعقد الجرائم وأصعبها للإثبات أو النفي، لأنّها محفوفة بسوء الفهم والظنّ من جهة، واستغلالها في الإبتزاز من جهة أخرى. ومكمن الصعوبة واللّبس أنه في كلتا الحالتين لا يتم الإغتصاب أو الإستغصاب دون حركات أو إشارات مسبقة مفتوحة على احتمالات، بعدد أصناف الذهنيات.
فقد يحدث أن تمارس امرأة أمام رجل من الإغواء الظاهر والمستتر كلّ الفنون، بالصوت والمشية والعيون؛ وإذا ما هم بها الساذج المفتون؛ تقدّ قميصه من قُبل ثم تجرّه إلى المحاكم بتهمة اغتصابها وهي العفيفة المصون.. ولو حصحص الحق ونطق الضمير جهرا لألحق بالإغتصاب سينا وقال إنه اِستغصاب.
مقابل هذه النوعية المبتزّة من النساء هناك رجال تلقي عليهن المرأة تحية الصباح ببراءة خالصة فيترجمونها دعوة كريمة إلى الرّذيلة.. تأخذ المرأة حقها الطّبيعي من الزينة التي هي مطلب فطري تتوق إليه روح الإنسان. فيخالها تزيّنت لتستفزّ غرائزه المتأهبة للإنفلات، ويشرّع لنفسه حق التحرش بها واغتصابها، وهذا النوع حقيقة لا ينفع معه لا الإحتشام ولا البراقع الثخينة، ولا السجون ولا المقاصل وإن كان؛ لا بدّ من الإعتماد عليها كردعيات مؤقتة.
وبين هذا وذاك يمكن القول أن السين الفاصلة بين الاغتصاب و الاستغصاب؛ لا تفصل فيها بعدل سوى محكمة الضمير، ولا يمكن القضاء على مشاكلها إلاّ بأنسنة “الرجل والمرأة” بحيث يتعلم الأول كيف يهذّب غرائزه ويتحكم فيها، وتتورّع الثانية عن استعمال جسدها كطعم للصيد وتحقيق المآرب.
