بخيل المشاعر..دكتورة/أسماء محمد سعد

في هذا العالم الذي يفيض بالكلمات والصور والاصوات هناك نوع من الناس لا يفيض بشيء اسمه العاطفة ، ذلك الانسان الذي يوصف ببخيل المشاعر هو من يغلق على قلبه ابواب الدفء ويعيش كأن العاطفة عبء ثقيل لا يريد حمله.

قد تراه بين الناس متزنا وهادئا لكنه في الحقيقة جاف القلب لا يمنح من حوله سوى الصمت والفتور ، هو لا يعرف كيف يقول كلمة طيبة ولا كيف يعبر عن محبته او امتنانه او حتى حزنه ، يخاف من اظهار الود كما يخاف الطفل من الظلام.

ربما ظن ان اظهار المشاعر ضعف وربما تعلم ان القسوة درع يحميه من خيبة قادمة ، لكنه لا يدرك انه يضيع على نفسه متعة المشاركة الانسانية ؛ فالمشاعر مثل الماء اذا لم تجر اصبحت آسنة واذا لم تخرج تحولت الى حجر في القلب.

الناس حول بخيل المشاعر يشعرون بالتيه ؛ فهم لا يعرفون هل يحبهم ام يكرههم. كلماته قليلة وملامحه جامدة وعيناه لا تحملان حرارة الحياة. قد يقدم الهدايا لكنه لا يقدم الحنان وقد يفي بالواجب لكنه لا يمنح الاحساس.

هو يعيش في عالم من الحسابات الدقيقة يخاف ان يعطي فيخسر شيئا من كبريائه ، يراقب العواطف كما يراقب التاجر ماله يحسب كم قال وكم ابتسم وكم اقترب ، وحين يطلب منه احدهم كلمة تشجيع يجيب ببرود كأن الامر لا يعنيه ، لكن داخله ليس خاليا تماما فربما هناك نهر مكبوت من المشاعر التي لم تجد منفذا ، هو فقط لا يعرف الطريق الى التعبير عنها او يخشى ان لا يتلقى مقابلها ؛ فبخيل المشاعر كثيرا ما يكون مجروحا من تجربة قديمة جعلته يظن ان القسوة امان ، لكنه لا يدرك ان الامان لا يصنعه الجفاء بل التواصل والصدق.

من يعيش معه يشعر بالوحدة حتى وهو في حضرته. البيت الذي يسكنه بخيل المشاعر يكون باردا مهما كانت الجدران مزينة ، والكلمات بينه وبين الاخرين تتحول الى اوامر او معلومات بلا طعم.

حين يفرح لا يضحك وحين يحزن لا يبوح وحين يشتاق يصمت ، وكلما طال صمته ازدادت الهوة بينه وبين من يحبونه.

ان المشاعر ليست ترفا بل هي جزء من بقاء الانسان انسانا ؛ فبغيرها يصبح مجرد آلة تتحرك بلا معنى. من يبخل بمشاعره يبخل ايضا على نفسه بالسعادة ؛ فالعطاء العاطفي لا يستهلك بل يضاعف ما في القلب ، وكلما عبر الانسان عن مشاعره ازداد دفئا واتزانا ، لكن بخيل المشاعر يظن انه يحمي نفسه وهو في الحقيقة يحبسها. يمشي بين الناس كأنه ظل بلا روح ، يخاف من الاحتضان ومن البكاء ومن الابتسام. يحسب ان التماسك هو الصمت وان الكبرياء هو الجفاء ، ولا يعلم ان اعظم قوة في الانسان هي قدرته على الحب. 

الحب لا يضعف احدا بل يحرره من قيد الخوف ، من لا يشارك مشاعره يعيش في عزلة داخلية قاسية ، ومهما كانت انجازاته تبقى ناقصة لان القلب لم يشارك فيها. كم من علاقة انتهت بسبب كلمة لم تقال وكم من قلب انكسر بسبب صمت بارد. وبخيل المشاعر لا يدرك فداحة ما يفعل الا بعد فوات الاوان ، حين يبتعد عنه الاحبة ويجد نفسه محاطا بالهدوء الذي كان يتمناه ، ذلك الهدوء الذي يتحول الى صدى يؤلمه اكثر من صخب العتاب ، ربما يدرك حينها ان كلمة حب كانت ستغير كل شيء ، لكن الندم لا يعيد المشاعر التي ذبلت.


من يريد ان يعيش بسلام حقيقي يجب ان يتعلم الكرم العاطفي ، فالكلمة اللطيفة لا تكلف شيئا لكنها تزرع الفرح في القلب والابتسامة لا تنقص من الهيبة بل تزيدها نورا.

بخيل المشاعر يحتاج ان يتصالح مع نفسه قبل ان يتصالح مع الناس ، ان يفتح نافذة صغيرة في قلبه ليدخل منها الضوء ، فالحياة قصيرة جدا لتعيشها خلف جدران الصمت ، والمحبة حين تعطى تثمر في النفس قبل ان تثمر في الاخرين.

فلا تكن بخيلا فيما لا يكلفك شيئا ، امنح من حولك دفئا وصدقا واهتماما ، فكل قلب يحتاج الى لمسة انسانية ، ومن يمنحها يعيش غنيا حتى وان كان فقيرا في كل شيء آخر.
تعليقات